الباحث عن الحق .. المفكر محمد أسد gf8upr.png




قليل من الرجال الذين تركوا بصمات ساطعة كالشموس على جدار التاريخ البشري ..

وقليل أولئك الرجال الذين آثروا الحقيقة برغم زخرف الدنيا وبهرجها .. وخاضوا غمار الحياة وبؤسها ..

مضحين بكل غال ونفيس في سبيل هذه الحقيقة التي عشقوها .. حتى أصبحت وإياهم شيئا واحدا ..

وأصبحوا لا يرون الحياة إلا من خلال تلكـ الحقيقة التي جعلتهم مغامرين من الطراز الأول ..

مغامرة تكاد تكون لغرابتها ضربا من الخيال الجامح ..

ومن ضمن هؤلاء الذين تتمثل فيهم تلكـ الشخصية .. هو المفكر النمساوي ..

محمد أسد .. " ليوبولد فايس " ..




ولد محمد أسد أو " ليوبولد فايس " كما كان اسمه قبل الإسلام في مدينة ليفو في بولندا ..

وكانت تابعة للإمبراطورية النمساوية ..

وذلكـ عام 1317 هـ الموافق لعام 1900 مـ لأبوين يهوديين ..



بدأ يتدرج ليصبح كاهنا مثل جده .. إلا أن روحه القلقة جعلته يهرب ليلتحق بالجيش ..

وقد اشتغل بعد تخرجه من الجامعة في فيينا بالصحافة ..



سافر إلى القدس بدعوة من خاله .. حيث تعرف على الحركة الصهيونية ورفضها ..

ثم سافر إلى القاهرة .. فحاور بعض العلماء حول الأديان ..

وكان قد بدأ يتعلم اللغة العربية في أروقة الأزهر .. وهو لم يزل بعد يهوديا ..




كان ليوبولد فايس رجل التساؤل والبحث عن الحقيقة ..

وكان يشعر بالأسى والدهشة لظاهرة الفجوة الكبيرة ..

بين واقع المسلمين المتخلف وبين حقائق دينهم العظيمة ..



وفي عام 1343 هـ الموافق 1925 مـ .. عندما كان في أفغانستان ..

أخذ يحاور أحد الشباب من إحدى المقاطعات الأفغانية منافحا عن الإسلام ..

ومحملا المسلمين تبعة تخلفهم عن الشهود الحضاري .. لأنهم تخلفوا عن الإسلام ..

ففاجأه بقوله : " ولكنكـ مسلم .. كل مافي الأمر أنكـ لا تعرف نفسكـ " ..

فضحكـ فايس قائلا : " لست مسلما .. ولكنني شاهدت في الإسلام من الجمال ..

ما يجعلني أغضب عندما أرى أتباعه يضيعونه " ..

ولكن هذه الكلمة هزت أعماقه .. ووضعته أمام نفسه التي يهرب منها ..

وظلت تلاحقه من بعد حتى قدر الله صدق قول الشاب ..

فشرح الله صدره للدخول في الإسلام ..

وذلكـ عام 1344 هـ الموافق 1926 مـ ..

وقد سجل ملحمة دخوله في الإسلام في كتابه .. (( الطريق إلى مكة )) ..

الذي يعتبر من أروع أعماله الأدبية والفكرية ..

وكتابه هذا يتحدث عن رحلة عقل تواق إلى معرفة الحقيقة ..

بحث عنها في ثنايا التوراة وأسفار اليهود .. ثم ابتغاها في مقاهي فيينا وصالوناتها ..

وغازل في سبيلها أعمال فرويد حينا وكتاباته في التحليل النفسي ..

ثم وجدها أخيرا في صحراء الجزيرة العربية ورمالها ..



يقول محمد أسد : " جاءني الإسلام متسللا كالنور إلى قلبي المظلم ..ولكن ليبقى فيه إلى الأبد ..

والذي جذبني إلى الإسلام هو ذلكـ البناء العظيم المتكامل المتناسق الذي لا يمكن وصفه ..

والذي يتضمن تعاليم خلقية كما يتضمن برنامج حياة واقعي ..

إن الإسلام بمثابة بناء هندسي بديع لا يشوهه أي عيب ..

قد صممت كافة جزئياته وائتلفت يكمل بعضها البعض الآخر ..

ليست فيه زيادة ولا نقصان مما أدى إلى التوازن المطلق والائتلاف المكين " ..




تفاعل المفكر الإسلامي محمد أسد بعد إسلامه مع كل قضايا الأمة ..

حيث غامر في التسلل إلى ليبيا ..

ورافق الشهيد عمر المختار وصحبه في جهاده ضد الإيطاليين ..

ثم انتقل بعد ذلكـ إلى الهند .. حيث لقي العلامة محمد إقبال .. وتوثقت بينهما مودة حميمة ..



أقام في الهند حتى قيام الحرب العالمية الثانية ..

فكاد له الإنجليز هناكـ وحبسوه باعتباره مواطن دولة معادية " النمسا " ..

ولكن الإنجليز كانوا يتخوفون من أثره على المسلمين ..

وقد وقعت له بسبب الحبس كارثة ..

إذ ضاعت منه أكثر أجزاء ترجمة صحيح البخاري الذي أفنى شطرا من عمره وهو عاكف عليها ..



بعد الحرب وقيام دولة باكستان انتقل إلى هناكـ .. واكتسب جنسية الدولة الجديدة ..

ثم أصبح مدير قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية بها ..

فمندوبها الدائم في الأمم المتحدة في نيويوركـ ..

وفي عام 1372 هـ الموافق 1953 مـ .. استقال من منصبه ..

بعدما اطمأن إلى الدولة الجديدة قامت على قدميها ..



وفي عام 1383 هـ الموافق 1964 مـ .. شرع في أضخم مشروع في حياته ..

وهو مشروع ترجمة معاني القرآن الكريم ..

وأمضى سبعة عشر عاما وهو يعد للترجمة ..

فكانت النتيجة في عام 1400 هـ الموافق 1980 مـ ..

صدور واحدة من أهم تراجم معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية ..



كان محمد أسد دائما ما يسدي النصح إلى العاملين في حقل الدعوة الإسلامية ..

ليقنعهم بأن الموعظة الحسنة والبناء المتأني لا الصراع المتعجب ..

هو سبيل البناء الإسلامي الصحيح ..



رفض إسرائيل وحاربها .. وظل حتى آخر حياته يكتب ليثبت بمنطق العقل ..

أن المسلمين هم أولى الناس بالقدس ورعايتها وعمارة مساجدها ومقدساتها ..

ولم يكن محمد أسد يساوم في معتقداته .. ولم تلن له عزيمة في سبيل بناء صرح الإسلام ..

ولم يكن يرى في الإسلام الحل فقط لمعضلات المسلمين فحسب ..

بل كان يرى فيه مستقبل البشرية كلها ..




للمفكر " محمد أسد " عدة مؤلفات باللغات الألمانية والإنجليزية والعربية ..

ومن أبرز كتبه ..



- " الطريق إلى مكة " ..

وقد ترجم إلى اللغة العربية بعنوان .. " الطريق إلى الإسلام " ..

وترجم إلى معظم لغات العالم ..



- " الإسلام على مفترق الطرق " ..



- " مبادئ الدولة في الإسلام " ..



- " شريعتنا هذه " ..



- " ترجمة وتعليقات على صحيح البخاري " ..



- " رسالة القرآن " ..




كان محمد أسد عند وفاته يعد الجزء الثاني من مذكراته ليحكي طرفا آخر من حياته العامرة ..

وكان العنوان الذي اختاره للكتاب هو .. " عودة القلب إلى وطنه " ..

وقد توفي في ( السابع عشر من شعبان من عام 1412 هـ ) .. الموافق ( لعام 1992 مـ ) ..

وقد دفن في مقابر المسلمين في غرناطة بالأندلس ..




رحم الله المفكر الإسلامي المناضل والمضحي محمد أسد رحمة واسعة ..

وأدخله فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء ..



أتمنى الموضوع نال على رضاكم واستحسانكم ..

وإن شاء الله إنو ناله القبول منكم ..

هذا .. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..



تحياتي