المدن الرومانية:
تذكرنا المدن الإيطالية في بداية مراحل الإمبراطورية الرومانية إلى حد كبير بمدن الحضارة اليونانية
لقد كانت الامبرطورية الرومانية (عاصمتها روما)من أكبر امبرطوريات عهد الرق حيث تمكنت من السيطرة على جميع البلاد المحيطة بشواطئ البحر الأبيض المتوسط
ولكن المدن الإيطالية لم تكن سواء حيث تمايزت من ناحية تبعيتها لسلطة روما ,فكلما كانت درجة تبعيتها أكبر كانت إمكانيتها المادية
والفنية وتطورها أكبر ,ولقد عانى الرقيق والطبقات الدنيا من العمال والحرفيين الاضطهاد وقاموا بالعديد من الثورات إلا إنها كانت تبوء بالفشل لعفويتها وسوء تنظيمها.
بنية وتكوين المدن الرومانية :
تمايزت مدن الامبرطورية الرومانية عن بعضها عمرانياًومعمارياً وتنظيمها وكان ذلك أولاً بسبب اتساع رقعة الامبرطورية وثانياً نتيجة لتنوع الحياة الإقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية وأخيراً نتيجة للوظائف التي كانت تلعبها هذه المدن فهناك :

1-مدن المسكرات ذات التخطيط الشطرنجي ويتوسط المدينة ساحة مستطيلة في الوسط هي البراكتوريوم (وكانت المدن العسكرية تشكل نقاط الاستناد لهذه الامبرطورية الواسعة.
2-المدن ذات الطابع التجاري وعلى عقد المواصلات كمدينة تدمر والبتراء والمرافئ عموماً.
3-المدن ذات الطابع الاداري وأهمها العاصمة (روما) وكانت تنشأ فيها الفورمات (وهي أول تجمع عمراني ومعماري قام في المدينة ويتكون من مجموعة من المباني الادارية والثقافية والترفيهية والقصور السكنية المجمعة حول العديد من الساحات المتداخلة .من أهمها فورم رومان وتراجان وفورم العاصمة الرومانية) والمسارح والسيرك والحمامات والساحات المغطاة المحاطة بأبنية سكنية تراوح ارتفاعها من 4-5 طوابق وكانت المدينة مزودة بشبكة للمياه العذبة وأخرى للصرف الصحي .
وكانت الشوارع معبدة أو مبلطة بالحجارة ومزودة بفتحات لتصريف مياه الأمطار عبر المجارير العامة .ونتيجة لتطور الحياة من النواحي الاجتماعية والثقافية والفنية زاد إنشاء المؤسسات في المدن وخاصة الحمامات والمسارح والملاعب والبازيليك (وهو مبنى ذا طابع ديني قضائي )و المكتبات وكانت هذه الأبنية تتجمع مع بعضها في مجموعات عمرانية ضخمة إذ غالباً ما يتم تجميع الحمام مع المكتبة والمساطب لممارسة ألعاب الجمباز,
4-وبالرغم من هذا الواقع المتطور فقد كانت مدن الامبرطورية الروما نية مدن طبقية ولم تختلف عن مدن الحضارة المصرية واليونانية فكان هناك الأحياء الارستقراطية الفخمة المنظمة والمجهزة بشكل جيد كما كان هناك العديد من الأحياء القذرة الضيقة وهي سكن صغار الحرفيين والأرقاء 0
وأخيرا وبتوالي ثورات الأرقاء والفقراء بدأ الإنتاج يتضاءل مما أدى إلى شل الحياة في الكثير من المدن الرومانية كما جاءت هجمات البرابرة لتساعد في سقوط المدن الامبراطورية الرومانية في الغرب الواحدة تلوى الأخرى
في حين حافظت مدن الامبراطورية الرومانية في الشرق على أهميتها وتطورها 0


الميزات الأساسية لمخططات المدن الرومانية :
1- لقد انعكست وظيفة المدينة على مخططها العام
2- لم تؤثر المعالم الجغرافية أو الطبوغرافية على مخططات المدن الرومانية
3- كانت غالبية المدن الرومانية ذات تخطيط شطرنجي وخاصة الحربية منها وكانت هذه المدن محصنة وتحتوي على ساحة مركزية واقعة عند تقاطع المحورين الاساسيين المولدين لمخطط المدينة الشطرنجي ( محور الكادرو ومحور الدينكامينوس )
4- تميزت مدن الحضارة الرومانية بمواد البناء حيث استعمل المرمر في الفورمات في المباني الواقع على امتداد المحورين الرئيسيين المتعامدين كما هو الحال في تدمر ( سمي هذا المحور بشارع دمشق وهو ينطلق من باب دمشق في الجنوب ويتجه شمالا ليلتقي بشارع الأعمدة الرئيسي الذي يتجه من الشرق إلى الغرب
5- هناك تشابه بين المخطط العام للمدن الرومانية والمخطط العام للمدن اليونانية ويكمن الاختلاف في أن المدن اليونانية كانت تختار المواقع المرتفعة والمواقع الحصينة بينما نجد انه في المدن الرومانية كان الاختيار يتوقف على أهمية هذا الموقع من الناحية الاستراتيجية فكانت غالبا ما تتم إزالة التضاريس المعقدة في المدن الرومانية في سبيل أن يتلائم الموقع مع المخطط التنظيمي وفي سبيل الحصول على وحدة للتكوين العمراني والمعماري للمدينة 0
6- كانت المخططات المدن الكبرى كأمثال روما غير منتظمة إلا أن المركز كان يحتوي على مجموعة من الفورمات وكان يصب على ساحات هذه الفورمات شوارع ثلاثية تلتقي مع بعضها عند رأس هذه الساحة
مدن الساحل السوري والبحر الابيض:
ظهرت مدن الساحل السوري في الوقت نفسه التي ظهرت فيه حضارات مدن مابين النهرين والمدن المصرية .تعتبر مدن رأس شمرا (أوغاريت) وبنت جبيل وصيدا وصور مراكز حضارية تتميزعن مدن الداخل لكونها مراكز للتبادل التجاري على مستوى عالمي كانت أساطيل الدويلات الفينيقية تجوب البحر الأبيض المتوسط لعدة قرون قبل أن تأتي الامبرطورية الرومانية ,يقال بأن هذه الأساطيل وصلت إلى أمريكا الوسطى .
قدمت مدينة اوغاريت أول أبجدية عرفتها الانسانية كما تم اختراع الزجاج والاصباغ النباتية والحيوانية والاقمشة والابنوس والعاج والكهرمان من قبل المدن مما جعلها ذات سمعة عالمية وجعل منتجاتها مرغوبة من قبل الاباطرة و الكهان وغيرها من سكان المعمورة .
بنية وتخطيط مدن الساحل السوري والمدن التي تأثرت بها:
1-لقد كانت مدن الساحل السوري كسابقاتها مدن محصنة تحتوي على المعابد والقصور والمحترفات وكان لكل مدينة ميناؤها وحوضها الجاف لبناء السفن وكما ذكرنا أن قرطاجة التي كانت من أهم المستعمرات والمحطات التجارية التي أنشأها الفينيقيين على الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط هاجر إليها الكثير من سكان مدن الشاطئ السوري عقب حصار نبوخذ نصر والاسكندر وبذلك انتقل إليها مركز التجارة الفينيقية وكلما كانت تزداد قرطاجة قوة وعظمة كلما كانت مدن صيدا وصور تضمحل وتضعف تراوح عدد السكان هذه المدينة في أوج تطورها تقريباً 250000نسمة0
2-اقيم فيها هياكل فخمة وحمامات عامة واشتهرت بموانئها وأحواضها الواسعة التي بلغت 220 حوض يحدد مدخل كل منها عمودان من الطراز الأيوبي وكانت هذه المداخل مع الأحواض تشكل ميناء واسع نصف دائري يحده 440عمود ويرتبط هذا الميناء بالسوق العام بواسطة شارع واسع به ميدان ذو أعمدة تزينه التماثيل وتقام على جانبيه الابنية الحكومية ودور القضاء والعبادة والمحلات التجارية .وتنطلق من هذا الشارع طرق ضيقة وعلى طرفيها المحترفات والحوانيت وكانت بيوت مدينة قرطاجة حجرية تراوح ارتفاعها من طابق إلى ستة طوابق.
3-يتوسط المدينة ربوة أقيم عليها بيت المال (وكانت تسمى البورصة) ودار لصك النقود والمزارات والمعابد
4-سورت مدينة قرطاجة في اليابسة بثلاث جدران بارتفاع 15م عليها ابراج وشرفات وكانت هذه الاسوار لحماية المدينة والساحات والاسطبلات والثكنات .
5-كانت مزارع الأغنياء تقع على الأطراف الخارجية لهذه الأسوار وتليها مباشرة الحقول التي يعمل بها الفقراء في الإنتاج الزراعي.
المدينة في عهد الاقطاع:
المدينة الاقطاعية في غرب أوربا
1-تضاءلت في مرحلة الاقطاع في غرب أوروبا إمكانية وجود مدن كبرى حيث تراوحت أعداد سكان هذه المدن من 5-10آلاف نسمة ولم يتجاوز هذا الحد إلا عدد قليل من المدن كأمثال لندن حيث كان تعداد سكانها حوالي 40000نسمة أماالبندقية وميلانو فوصلتا إلى 100000نسمة
2-كان المخطط العام للمدينة ذا طابع عفوي ويضم ساحة مركزية تصب عليها الطرق القادمة من مداخل المدينة والتي قد يصل عرضها إلى 75سم
3-كانت مساكن الاقنان تلتفت بشكل حلقات حول المركز ولتأمين الربط بين هذه الحلقات مع المركز أخذ مخطط المدينة الطابع الحلقي الشعاعي.
4-لقد تم اختيار المدن في المواقع التي يسهل الدفاع عنها فكانت إما في المواقع المرتفعة أوعلى الجزر وأشباه الجزر وكان يشكل السور عنصر اساس من مكونات هذه المدن
5-لقد كانت هذه المدن مرتفعة الكثافة وأبنيتها متراصة ,حيث وجدت وتكدست فوق الجسور وعلى أطراف الانهار وكانت تعتلي الشوارع والطرقات مما ادى ألى ظهورالاوبئة والامراض وحدوث الانهيارات عند وقوع أي طوفان أوعارض طبيعي.
6-ومع ظهور البرجوازية نتيجة لاستغلال المدينة للريف وكذلك نتيجة تطور قوى الانتاج بدأت العلاقات الرأسمالية في المجتمع الاقطاعي تظهر وبدأت تحدث تغيرات في الهيئة المعمارية والتنظيمية للمدن إذ أصبحت الامكانيات المادية متاحة لتنفيذ وإنشاء المؤسسات والخدمات الضرورية لمواكبة هذه التحولات وعادت المدينة ذات المخطط المنتظم تظهر من جديد .فبدأت تظهر على أطراف الشوارع الرئيسية التي عادت منتظمة ومستقيمة ,الابنية الهامة (كالقصور والكاتدرئيات والبورصة )و البلديات ومقرات كتاب العدل ومقرات الحكام والمجالس البلدية وظهرت الساحات المخططة ذات الشكل الهندسي المنتظم كالمربع والمستطيل والدائري وأحيانا ًساحات متراكبة.
وعلى نقيض ذلك كانت المدن العربية في الأندلس مركز هام للمعرفة والعلم ولنقل المعارف اليونانية والشرقية والإسلامية والفلسفية والسياسية والرياضية وعلوم الري والصرف وعلوم الأدوية وكذلك العلوم التطبيقية في الفيزياء والكيمياء ولا تزال هذه المدن تحتوي على عناصر معمارية وعمرانية هامة حتى الآن : مجموعة قصر الحمراء, جوامع قرطبة وغرناطة


تكوين وبنية مدن الإقطاعية في الشرق القديم
1- تمتاز هذه المدن بشكل رئيسي بوجود الساحات المنتظمة (فمدينة الآغا الهندية تضم 15ساحة و80خان) والأسواق المغطاة (أسواق حلب وأسوق دمشق والقيروان وتبريز وأصفهان وغيرها) المتنوعة الإختصاص, وتقع خلف هذه الأسواق المحترفات والمساكن ودور العبادة والحمامات, كما ظهرت في هذه المدن الفنادق والخانات (خان البنادقة وخان الصابون وخان الوزير وخان الحرير) بطوابقها المتعددة وكانت عبارة عن مؤسسات تجارية وفندقية, كما انتشرت المدارس ومدارس العلم(كالأزهر في القاهرة وجامعة القرويين في تونس).
2- لقد تمييز النسيج العمراني للأبنية السكنية بالدقة والتنظيم, أما الأحياء السكنية فوجدت على نقيض ذلك وكانت ذات تنظيم وطابع عفوي وكانت شبكة المواصلات ذات اتجاهات عشوائية بمقاطع عرضية مختلفة الأبعاد, ولقد كانت الجدران الخارجية للمباني مصمتة ومغلقة على الحركة العامة لتأمين الخصوصية والحماية من العوامل الطبيعية.
3- ومع تطور الحياة المدنية لهذه المدن نتيجة لتجمع الثروات الكبيرة, ظهرت قصور الأغنياء بمختلف فئاتهم ومهنهم وكانت هذه القصور تتكون من مجموعات معمارية منفصلة (السلاملك والحراملك) تحيط بهذه القصور وتخترقها حدائق تحتوي على نوافير لترطيب الهواء, لم تختلف مدن الشرق الإقطاعية عن غيرها من المدن الطبقية, حيث كان هناك أحياء للفقراء وأحياء للاغنياء
4- لقد كانت المساكن مغلقة تماماً على الطرقات لكي تتلائم وبشكل كامل مع العوامل المناخية والمعتقدات الدينية والعادات الإجتماعية, حيث استطاعت أن تكون لنفسها جواً داخلياً خاصاً عن طريق الفناء الخارجي الباثيو حيث تتجمع حوله الغرف وفي وسطه بركة ماء للتخفيف إلى حد كبير من تأثير الجو الحار.
5- لقد ازداد عدد سكان المدن في عهد الإقطاع نتيجة لتطور الفعاليات الاقتصادية والإنتاجية فبكين مثلاً تجاوز تعدادها المليون نسمة وبغداد 300000نسمة (مركز الدولة العباسية) والقاهرة 200000نسمة.
6- بدأت مدن الشرق في عهد الإقطاعية بالانحطاط نتيجة لغزو التتر والمغول, وتابعت تقهقرها نتيجة الاستعمار الرأسمالي الغربي, حيث غزا الإنتاج الصناعي الرخيص أسواق هذه المدن وقضى على الكثير من المهن التي كانت سبباً في ازدهارها في عهد الإقطاع.
المدن الإقطاعية في آسيا الوسطى:
1-تميزت مدن آسيا الوسطى بالاستقلال الاقتصادي
2- ومن أهم مدنها مدينتي سمرقند وبخارى وذلك في الفترة الواقعة ما بين القرنين الثامن والثاني عشر
3- تميزت المدينة عموماً بقلعتها حيث يقام فيها قصر الحاكم وبشهرستانها (الشهرستان) هو الحي الذي يقطن فيه كبار الإقطاعيين ورباطها (الرباط هو المكان الذي يقيم فيه الحرفيون والتجار وكان مقسماً بجدران تفصل بين أحياء الحرفيين بحسب دخل أفرادها وأهميتهم في المجتمع).
4- كانت المساكن تتكدس في المدن الإقطاعية لتستوعب الزيادة الطبيعية للسكان لأن طموح المدينة للتوسع كانت تحول دونه الأسوار الحصينة
5- لقد وجدت ساحات أمام الأبنية الهامة (ساحة ريجستان في سمرقند وهي إحدى التحف المعمارية والعمرانية في العالم) كالجوامع بمآذنها الشامخة والمدارس, وقد لعبت هذه الساحات بالإضافة إلى كونها مراكز لهذه العناصر المعمارية والعمرانية دوراً إضافياً
هاماً كونها ساحات تجارية في الوقت نفسه.
في نهاية القرن الرابع عشر ولأول مرة في تاريخ المدن ظهرت شوارع قطرية مستقيمة وعريضة في مدينة سمرقند وأحيطت المدينة بالمساحات الخضراء الواسعة.
7- لقد تراجعت الحياة التجارية والحرفية والثقافية في القرنين الحادي عشر والثاني عشر نتيجة لطبيعة النظام الإقطاعي وكذلك نتيجة للأضرار التي لحقت بالمدن أثناء الهجمات المغولية عليها ومنذ القرن الخامس عشر ونتيجةً للمكتشفات الجغرافية والطرق البحرية فقدت مدن آسيا الوسطى أهميتها كمراكز إنتاجية واقتصادية وتوقف تطورها إلى أن حصلت الثورة الاشتراكية في روسيا