لمدن في المرحلة الرأسمالية:
لقد كانت الآلات المستخدمة في الصناعة قبل الثورة الصناعية الكبرى تعمل إما بتأثير الرياح أو المياه وكان الإنتاج محدداً لم يحتاج إلى وجود أعداد كبيرة من العمال في المحترفات
ولكن مع استعمال الآلة الأكثر تطوراً تم الإبتعاد وبشكل تدريجي عن العمل الحرفي البسيط, حيث اعتمدت الصناعات الجديدة على الآلة البخارية أولاً ومن ثم على الآلة الإنفجارية والمكوك الطائر
ونتيجةً لمكننة الإنتاج أصبح بالإمكان الاستفادة من العمال العديمي الخبرة المهنية وتشغيلهم بأجور بخسة, لذلك عمل في هذه المصانع العمال الذين وفدوا من مراكز الإقطاعيات هرباً من ظلم الإقطاعيين وتسلطهم, حيث كانت الخبرة المهنية غير ضرورية وكان هؤلاء العمال يقطنون في الضواحي لأن آجار السكن فيها كان أقل بكثير من المدن إلا إنهم كانوا يدفعون قيمة ذلك من وقتهم وراحتهم ورفاهيتهم.
لذلك أصبحت المدن تعاني آنذاك من عدم التوازن لأن عدد سكان المدن نهاراً كان يزيد إلى حد كبير عن عدد سكان الليل مما سبب أزمة في النقل الداخلي وأزمة في النقل إلى الضواحي. ولقد أدى حل هذه المشكلة إلى إعادة تنظيم المدينة وشق الشوارع الواسعة وفتح الساحات لتأمين مرور وسائل النقل الآلي
إلا إنه كان من الصعب تأمين الأراضي اللازمة لفتح الشوارع والساحات بسبب الملكية الخاصة للأراضي والتي كانت تكلف الكثير من المال لاستملاكها من أجل تنفيذ العمليات التنظيمية عليها.
لقد أدى اتساع الأعمال التجارية خصوصاً الخارجية منها نتيجة للمكتشفات الجغرافية والطرق البحرية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر من جهة أولى وتطور الإنتاج الحرفي الذي استخدم فيه آلات أكثر تطوراً من جهة أخرى إلى ظهور أسلوب جديد للإنتاج الصناعي على شكل مصانع ومحترفات كبرى وهامة
ومن الأسباب التي ساعدت على ظهور فكرة التخطيط المبكر هو دخولها في مجال الصناعة الآلية والحديثة على نطاق واسع والتي عرفت باسم الثورة الصناعية, لقد أدى ذلك إلى تركيز سكان تلك الدول في المدن الصناعية (نتيجة لوجود فرص عمل) التي نمت بسرعة هائلة فاقت بمراحل نمو الوعي التخطيطي, فظهر نتيجة ذلك إلى الوجود عدد من المدن المخططة التي عانت من الإسكان دون المستوى الصحي والاجتماعي اللائق
(ظهر التباين الطبقي في المدن الكبرى آنذاك بأعلى مستوياته يقول كارل ماكس وفريدرك أنجلز وهما عالمان انكليزيان وضعا الأسس النظرية للاشتراكية العلمية في وصف المدن الكبرى في نهاية القرن التاسع عشر(- في كل مدينة كبرى يوجد حي أو أحياء سيئة للغاية تتكدس فيها الطبقة العاملة في بيوت ضيقة قذرة إلى حد كبير)
ثم حدث بعد ذلك ثورة أخرى تسمى بثورة المواصلات حيث تم التحول من الجياد و العربات إلى وسائل المواصلات الحديدية ثم السيارات. لقد نتج هذا التطور ازدحام في الشوارع وفي الطرق القديمة بالمدن وخارجها بحيث أصبحت عاجزة عن استيعاب حركة المرور المتزايدة لنقل البضائع والخامات والمنتجات والأشخاص كما ساعدت هذه الوسائل أيضاً على سرعة الامتداد الخارجي للمدن فنشأت الضواحي وتفاقمت مشكلات التزاحم وعجزت المرافق القديمة وتدهورت الخدمات

نستنتج مما سبق المظاهر الرئيسية للمدن الرأسمالية :
1- ازدياد هائل في عدد السكان في المدن خاصةًًًًَ الكبرى منها.
2- لقد كانت مخططات المدن عشوائية بصورة عامة تعكس من خلالها أوضاع المصالح الفردية حيث قسمت إلى مناطق فقيرة للمستغَلين وأخرى غنية للمستثمرين مع التباين الكبير في نوعية الأبنية وكثافة السكان ونوعية الخدمات.
3- أزمة في المواصلات داخل المدن وخارجها.
4- سوء توزيع المناطق الخضراء وفقدانها في بعض المناطق.
5- تلوث البيئة الطبيعية والاجتماعية.
6-الاختلاف الكبير في عدد سكان المدن بين الليل والنهار.
7-استغلال المدن للأرياف . خصوصاً استغلال المدن المتروبول للمدن الصغيرة و الأرياف (المتروبول هي المدينة الكبرى التي تتركز فيها الأبنية الخدمية و التعليمية و التجارية والإدارية والصناعات على مختلف أنواعها) نظراً للاحتياج المتنامي لهذه المدن إلى العاملين فإنها كانت تستقطب أكثر فأكثر سكان المدن الصغيرة الموجودة حولها بالإضافة إلى سكان الريف للعمل فيها ولذلك نجد أن أعداداً هائلة من هؤلاء العمال يعملون في المدينة المتربول نهاراً ويعودون مساءً إلى مساكنهم في الضواحي
المدن في المرحلة الاشتراكية:
تم نقل العمال الذين يقطنون في الأكواخ وفي الأقبية إلى بيوت تم الاستيلاء عليها : ففي موسكو وحده نقل أكثر من 500 ألف شخص من أصل سكانها البالغ عددهم آنذاك مليون وسبعمائة ألف ساكن إلى مساكن ذات شروط صحية ملائمة , كما تم تطوير المناطق الفقيرة عن طريق تنميتها, كما تم زيادة عدد سكان المدن بشكل منظم وسريع عن طريق:
1- جلب بعضاً من سكان الأرياف إلى المدينة بهدف تطوير الصناعة
2- تحويل بعض التجمعات الريفية إلى مدن
لقد قامت ألمانيا الفاشية على يد هتلر بهدم ملايين الشقق السكنية ومئات الآلاف من المصانع والمدارس بمختلف أنواعها والعديد من المؤسسات الخدمية الأخرى كالكليات الجامعية والمعاهد ومراكز البحث العلمي والمتاحف والمشافي وغيرها
فساعد إعادة بناء المدن المتضررة على تحسين واقعها خصوصاً فيما يتعلق بالمساحات الخضراء والشوارع والساحات وكما ساعد على إزالة الصناعات التي تضر بالصحة العامة إذ تم نقلها إلى أماكن غير مأهولة بالسكان وتم إعادة إعادة بناء هذه المدن بعد الآثار التدميرية للحرب على أسس علمية صحيحة دون تدخل إلا من الفكرين والمخططين.
المدن الاشتراكية:
لقد وضعت الاشتراكية الأسس الضرورية اللازمة كل أزمة المدينة و تخليصها من كل المشاكل التي كانت تعاني منها معتمدة على مايلي:
1- أن يتم التوزيع الاشتراكي للسكان اعتماداً على الخطط الخمسية و الاقتصاد المبرمج.
2- إلغاء الملكية الخاصة للأرض.
3- العمل على إزالة التناقض في المدينة بين القسم الجيد و القسم السيء.
4- إزالة التناقض بين المدينة والريف.
5- العمل على توزيع المؤسسات الخدمية بكافة أنواعها توزيعاً هرمياً متسلسلاً يلبي و بشكل عادل حاجة جميع السكان.
واستطاعت المدينة الاشتراكية أن تحل مشاكل مدنها الموجودة كما قامت بإنشاء مدن جديدة تؤمن لساكنيها مساكن مريحة و صحية و أماكن ملائمة وصلة وصل جيدة بين السكن ومكان العمل و أماكن التسلية و الرياضة و التثقيف و المساحات الخضراء الضرورية لساكني مدن اليوم.