نظرة شاملة على واقع وبنية المدن العربية ومراحل تطورها منذ الإسلام وحتى وقتنا الحاضر:
جاء الإسلام وانتشر من جنوب شرق آسيا والصين حتى المحيط الأطلسي في الغرب, ومن أواسط أوربا في الشمال حتى إفريقيا الإستوائية في الجنوب, ولم تقتصر مهمة الفتح الإسلامي على نشر الدين الجديد بل كان الإسلام مدرسة جديدة في الحكم والإدارة وتنظيم العلاقات بين البشر التي انتقلت بسرعة مذهلة إلى تلك البلاد على يد الفاتحين وحكمتهم, وهكذا أصبحت مدن مثل دمشق والقدس مراكز دينية متآخية بالإضافة إلى كونها مراكز للإنتاج الزراعي والحرفي بالإضافة إلى دورها الإداري الجديد (كما هو الحال بالنسبة لدمشق حيث كانت عاصمة للأمويين).
واقع المدن الإسلامية والمؤثرات السياسية والإجتماعية والاقتصادية في بنية هذه المدن وتطورها:
كانت المدن العربية إبان عصر الفتوحات مراكز للحكم (دمشق , بغداد)أو عواصم إقليمية (القاهرة,القيروان) ومقرات للعلم و المعرفة و مراكز للحرف و الفنون كما كانت نقاط ارتكاز هامة للتجارة الدولية و المحلية وبقدر ما كان الحكم مستقراً كانت هذه المدن في أوج عظمتها(حتى أن المؤرخون قارنوا سكان روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية بسكان مدينة بغداد )
لقد انعكس ذلك على هيئة هذه المدن و تكوينها و تخطيطها حيث نجد أن الأسواق القديمة في مدن (دمشق,حلب,قيروان,القدس,القاهرة) تضاهي في حسن تنظيمها و ترتيبها و تخصصها و بسهولة التسوق فيها مع حماية المتسوقين و المارة فيها من عوامل البيئة وأخطار النقل الآلي حالياً أحدث المراكز التجارية العالمية وأكثرها تطوراً.
ونجد أن دمشق وحلب والقاهرة والقدس قبل الاحتلال الإسرائيلي قد تابعت مسيرتها منذ وجودها و بقيت مراكز اقتصادية ذات دور مميز.
في مرحلة الحكم العثماني تقوقعت المدن العربية أكثر فأكثر بعدما أصبحت الأستانة (اسطنبول القسطنطينية) مركز العالم الإسلامي وانتهبت خيرات العالم الإسلامي ووضعت في خزائن السلاطين العثمانيين.
وهكذا تحولت المدن المزدهرة في العالم العربي و الإسلامي إلى مدن سيطر عليها الجمود والتخلف ونتيجة لذلك فقدت هذه المدن علمائها والباحثين فيها وانتقلت العلوم والمعارف إلى أوربا مترجمة عن الكتب و المؤلفات العربية التي حملها الصليبيون معهم كما انتقلت المهارات التقنية المتطورة في البناء نتيجة الاحتكاك بين الإسبان وعرب الأندلس.
الاستعمار الأوربي وأثره على بنية و تكوين المدينة العربية الإسلامية و النتائج التي ترتبت عن ذلك:
منذ القرن الرابع عشر تحول عدد كبير من المدن الأوربية من مدن صغيرة للإقطاع إلى مدن أكر حيث أصبحت هذه المدن مراكز حرفية وتجارية هامة وبعد الثورة الصناعيةعندما تحولت هذه المدن الأوربية مراكز صناعية هامة قامت تفتش عن أسواق واسعة لتصريف منتجاتها الوفيرة ولذلك تم تقسيم البلاد العربية بعد انكسار الإمبراطورية العثمانية (التي سميت في نهاية القرن التاسع عشر بالرجل المريض)
بعد الحرب العالمية الأولى بين الدولتين الإستعماريتين المنتصرتين فرنسا و انكلترا ونتيجة لذلك انتقل الأسلوب الغربي في معاش والسكن قصراً إلى دول العربية والإسلامية.
ولقد شجعت السلطات الإستعمارية الفرنسية هجرة الفرنسيين إلى شمال إفريقيا وطنتهم في الأقاليم الساحلية الزراعية الخصبة لأسباب إقتصادية وسياسية كما شجعت على إقامة العديد من الصناعات في هذه المناطق ووضعت مخططات تنظيمية لإقامة هذه المستوطنات بأسلوب ذو طابع أوروبي بحت.
كما تم أيضاً إنشاء أحياء أوربية جديدة أيضاً على أطراف المدن السورية التاريخية (دمشق , حلب) لتستوعب نشاط وسكن البرجوازية السورية نم المستعمرين الفرنسيين .
لكن المدينة القديمة حافظت على تكوينها المعماري و العمراني رغم إدخال بعض التقنيات الحديثة من ماء و كهرباء واختراق المواصلات الآلية لربط مركز المدينة مع الأحياء الجديدة بالطرق العريضة وخط الترامواي.
كما ظهرت إبان الاستعمار البريطاني في القاهرة أحياء جديدة مثل (الكاردن سيتي )مقلدة شكلاً ومضموناً التنظيم الإنكليزي المعتمد على الانتشار الأفقي للأبنية و الانفتاح نحو الحدائق و الشوارع العامة .
أما في المغرب قام المارشال ليوتي بنقل العاصمة من فاس إلى الرباط وبدأ ببناء مرفأ هام أصبح بعد ذلك المركز الاقتصادي الأول في شمال إفريقيا, أقيمت المتوطنات الأوربية إلى جانب المدن المغربية التقليدية وكانت تفصل بين هذه المستوطنات والمدينة الأم مناطق خالية من السكن لضمان الشروط الأمنية ولتخفيف الاحتكاك بين المواطنين والمستعمرين.
آثار الاستقلال السياسي على الدولة العربية المستقلة و ملامح المدن الحديثة فيها :
بعد استقلال الدول العربية من الاستعمار الأوربي بعد الحرب العالمية الثانية وبعد اكتشاف منابع النفط في شبه الجزيرة العربية السعودية و العراق و الجزائر .
ونظراً لحاجات الحكومات الوطنية (التي حكمت بعد الاستقلال ) لاستخراج الثروات الطبيعية (الفوسفات , الحديد , الغاز) تطلب ذلك ادخال التقنية الحديثة للصناعة و تطوير الصناعة و الزراعة ووسائل النقل كما تطلب تطوير التعليم بكافة مراحله وأنواعه .
ونجم عن ذلك خلال فترة زمنية قصيرة تحول كبير في بنية وعدد سكان المدن العربية الرئيسية , إذ تزايد عدد سكانها على شكل سلسلة هندسية بسرعة هائلة و بمعدل أكبر من أية مدينة صناعية في العالم.
تحولت الكثير من المدن الإقليمية الصغيرة والمتوسطة إلى عواصم إدارية ومراكز علمية وتجمعات صناعية ومراكز اقتصادية وعقد مواصلات هامة.
احتاجت باريس مثلاً ليتزايد عدد سكانها من 1,200,000مليون نسمة إلى 2,000,000نسمة إلى مئة عام في حين أن عدد سكان دمشق تزايد خلال ثماني سنوات من 1,370,000نسمة عام 1970إلى 2,000,000نسمة عام 1978 ولقد فقدت الكثير من المدن العربية هويتها المحلية بالكامل لتحل محلها مدن ذات طابع أوربي شكلا ًومضموناً لا علاقة لها بالماضي, ولا بالتراث ولا بالبيئة (مدن الكويت والرياض وبيروت)
كما إن هناك كما أن هناك العديد من المدن فقدت هويتها نتيجة بتر أجزاء هامة منها (كمدينة دمشق) حيث نشأت كتل غريبة في مواقع ضمن أحيائها القديمة, ومنذ مدة من الزمن أقيمت دراسات لمدن دمشق وحلب وتونس بغية الحفاظ على الأجزاء القديمة المتبقية والعمل على تطويرها في المستقبل,
لقد قام الآستعمار بوضع المخططات الكاداسترية (المخططات المساحية) لمدن سوريا عام 1925إذ لم يكن يوجد لهذه المدن أية مخططات قبل ذلك, وفي الثلاثينيات من القرن الماضي تم وضع مخططات تنظيمية من قبل المُخطط دانجيه للمدن السورية الرئيسية وقد اعتمد على مخططاته هذه زميله الفرنسي ايكوشار عندما وضع الخرائط التنظيمية لمدينة دمشق وحلب وبيروت, انصب اهتمام المخططين آنذاك بالمنطقة السكنية لأن مفهوم الصناعة لم يكن واضحاً بالإضافة لأن الإستعمار لم يكن راغباً أساساً في تطوير الصناعة, لذلك نجد أن هذه المخططات لم تحتو على مناطق متمايزة وواضحة للسكن أو للصناعة إذ اختلطت المناطق السكنية بالمحترفات
ومن ثم تحولت هذه المحترفات التي تحتضنها المدن القديمة إلى صناعات صغيرة تحولت بعد ذلك إلى صناعات متوسطة ومن ثم إلى صناعات كبيرة (كالمطاحن, ومصانع الزيوت, والصابون, ومعامل الغزل والنسيج) وهكذا توطدت الصناعة واختلطت بشكل سيىء بالمنطقة السكنية مما أدى إلى ظهور مشاكل بيئية ومواصلاتية معقدة.
مما سبق يمكن استنتاج المشاكل التي تعاني منها مدننا في الوقت الحاضر:
1-التناقض في متوسط المساحة السكنية المخصصة لكل ساكن بين الأحياء الغنية والأحياء الفقيرة
2-اختلاف في متوسط الكثافة بين مختلف أحياء المدينة إذ تبلغ 100شخص/هكتار في الأحياء الغنية وقد تصل إلى 1500شخص/هكتار في الأحياء الفقيرة
3-النقص الكبير والتوزيع العشوائي للمؤسسات التجارية والتعليمية والإدارية والتثقيفية والترفيهية والصحية في مختلف مناطق المدينة وأحيائها
4-تعاني مدننا بشكل عام من مشاكل في المواصلات ومن صعوبات في الحركة داخل المدينة وخارجها حيث يوجد اختراق للنقل الثقيل أحياناً لبعض الأحياء السكنية وفي أطراف المدينة القديمة, كما تعاني من النقص الكبير في مواقف السيارات ووسائل النقل المشترك
5- النقص في المساحات الخضراء وفقدانها في بعض المناطق السكنية والتوزيع السيئ لها
6-نقص في الخدمات الفنية من مياه للشرب وصرف صحي وكهرباء وهاتف ومشاكل في التخلص من النفايات
7-تلوث البيئة بسبب انتشار الصناعة في المناطق السكنية وحول المدن دون دراسة أو حماية أو مراقبة
المدينة دورها وتصنيفها والعوامل المؤثرة على تشكيلها وتطورها واختيار موقعها:
1- الدور الذي تلعبه المدن
1-أن تكون مركزاً لاستثمار الثروات الطبيعية
2-مكاناً جيداً للمبادلات التجارية
3-عقدة مواصلات تسمح بتجارة الترانزيت للبضائع أو الأشخاص
4-مركز للصناعات التحويلية للمواد الأولية
يمكن للمدينة أن تلعب إضافةً إلى الوظائف الاقتصادية التي أشير إليها سابقاً وظائف أخرى إذ يمكن أن تكون:
5- مركزاً إدارياً وسياسياً مثل جميع العواصم القديمة أو مثل المدن التي تم انشاؤها حديثاً (أنقرة في تركيا, برازيليا في البرازيل, نيودلهي في الهند, كانبرا في استراليا)
6- مركزاً ثقافياً كمدينة كامبردح في انكلترا
7- مركز للترفيه والسياحة (ككل مراكز الإصطياف والتزلج والمشاتي وشواطىء البحار الملائمة للاستجمام)
يتعلق وجود المدينة التي تلعب دوراً مميزاً خاصاً غير اقتصادياً على المستوى المحلي أولاً وأخيراً بالوظيفة الاقتصادية للمناطق المجاورة لها ، إذ لا يمكن أن يكون هناك إذاً مركز للاصطياف و الاستجمام مالم توجد بجانبه مراكز مأهولة بالسكان كالتجمعات الصناعية و الإدارية الهامة. وأخيراً إن معرفة الدور الذي تلعبه المدينة يمكننا من وضع الدراسات التخطيطية و التنظيمية التي تتلائم مع طبيعة هذا الدور .
2-تصنيف المدن:
يمكن أن يتم تصنيف المدن وفق عدة معايير:
1-بالاستناد إلى عدد سكانها ،و تعتبر المدن صغيرة عندما لا يزيد تعداد سكانها على 50000 نسمة ،و المتوسطة هي التي يتراوح عدد سكانها من(50000-200000) نسمة، و المدن الكبيرة هي التي يزيد عدد سكانها على المليون نسمة.
و تطبق في تنظيم المدن الكبيرة جداً قواعد و قوانين و طرق خاصة نظراً للأوضاع المعقدة التي تفرضها علينا هذه المدن ،أما المدن الصغيرة فتكون عناصرها بسيطة و تتوضع في مواقعها حسب وظيفتها.
2-تبعاً للدور الذي تلعبه ،و الشكل الذي تطورت فيه ،و النسب التي تشغلها مختلف الفعاليات فيها.
3- وفقاً لطريقة توزيع السكان .
4-شكل و وظيفة شبكة المواصلات فيها

يستفاد من هذا التصنيف بعد دراسة جميع العوامل الأخرى في تحديد المشاكل التي تعاني منها المدينة و إيجاد الحلول المناسبة لها عند وضع المخططات التنظيمية لها.

- العوامل المؤثرة على تشكيل المدن و تطورها:
1-العوامل الاقتصادية:
لقد وضعت نظريات مختلفة حول ظهور المدن و تكوينها فماور و بوخر قالا بأن المدينة هي مركز محصن لحماية سكانها من غزوات الأعداء ، إلا أن الأسوار لم تكن دائماً العنصر الرئيسي في مدن تلك العصور فمدينة روما عاصمة الامبراطورية الرومانية بقيت دون أسوار لمدة تزيد على ثلاثة قرون و تطورت المدينة تطوراً حراً مختلفاً عن تطور مدن عهد الرق و مدن القرون الوسطى المسورة.
لقد كانت نظرية ماور و بوخر غير دقيقة ،أما نظرية بيلوني و هيجل و هيركة اعتبروا العامل الجغرافي عاملاً أساسياً لظهور المدن و تطورها ،و رايت أكد على أن ظهور المدن كان نتيجة لأوامر و مراسيم حكومية أو إرادات ملكية.
فنستنتج مما سبق بأن كل النظريات السابقة أخذت الموضوع من جانب وأهملت الجوانب الأخرى و خاصة الأساسي منها الذي يحرك عملية ظهور المدن و تكوينها ألا و هو تطور القوى المنتجة و تغيير علاقات الانتاج لقد اكتشف كارل ماركس و فريديرك انجلز قوانين نشوء المدن و تطورها و اعتبروا أن هذا التطور كان نتيجة
1-تطور القوى النتجة
2-تعميق القسمة الاجتماعية للعمل
3- تغيير علاقات الانتاج
فمدينة الرق تختلف عن مدينة القطاع و القطاع تختلف عن المدينة الاشتراكية ،حيث أن علاقات الانتاج في كل مرحلة من مراحل تطور البشرية ((رق،اقطاع،رأسمالية،اشتراكية)) تختلف باختلاف العوامل.
فمدينة هيستريا إحدى المستعمرات اليونانية على شاطئ البحر الأسود كانت مزدهرة ازدهاراً باهراً في القرن السابع قبل الميلاد سقطت مرة واحدة مع توقف التبادل التجاري ما بين بلاد البلقان و بلاد البحر الأبيض المتوسط و لقد أدى هذا العامل الاقتصادي إلى هجرة عدد كبير من سكانها ثم تحولت إلى مدينة ميتة بعد انقطاع صلتها بشكل نهائي بالبحر نتيجة اختفاء مرفئها و بعدها بمقدار 15 كم عن البحر بسبب الطمي حيث فقدت و إلى الأبد وظيفتها كمكان للتبادل التجاري
كما أن مدينة تدمر المركز الحضاري الكبير و محط القوافل التجارية سابقاً تحولت إلى مدينة ميتة عندما فقدت وظيفتها الاقتصادية كمركز تجاري و الآن عادت إليها الحياة من جديد كمركز سياحي و زراعي بعد اكتشافها أثرياً و ربطها بطرق المواصلات.
و كذلك نجد أن روما التي زاد عدد سكانها على مليون نسمة في أوج تطور الامبراطورية الرومانية تقلص عدد سكانها إلى 40000 نسمة نتيجة سقوط الامبراطورية و تحول علاقات الانتاج فيها.
ونبتت مدن الذهب والبترول والماس كالفطر في الولايات المتحدة وفي بلاد الخليج العربي وفنزويلا وفي جنوب افريقيا وسيبيريا لاستثمار هذه الثروات, حيث زال بعضها عند الانتهاء من عمليات التنقيب ونضوب مخزونها إذ لم يعد بإمكانها لعب أي دور اقتصادي آخر. كل ذلك دليل حاسم على أهمية الدور الاقتصادي في عملية نشوء وتطور المدن.
العامل الطبيعي والتطور العلمي والتقني وأثرها على بنية وتكوين المدينة واختيار موقعها:
لا يتم اختيار موقع المدينة اعتباطياً بل يكون نتيجة دراسة معمقة للعوامل البيئية من أجل تحقيق الشروط الصحية – والتغذية بالمياه العذبة – وإمكانية تصريف مياه الصرف الصحي – وسهولة ربط الموصلات العامة – ومصادر الطاقة والمواد الأولية.
فمدينة نابولي أنشئت في مكان سمح بتطور جيد لمرفئها البحري بالإضافة إلى إمكانية الاستفادة من العناصر الطبيعية الجميلة المحيطة بها فانفتحت على طول الشاطىء للتمتع بمنظر البحر وبركان فيزوف وجزيرة كابري.
أما عندما يتم وضع المخططات التنظيمية للمدن الموجودة التي تضم الأبنية التراثية والمعمارية والتاريخية, فيتوجب أن تحافظ هذه المخططات على الإرث الحضاري وإبراز معالمه بالشكل الملائم وذلك بمراعاة ما يجاوره من الأبنية وبأخذ طابعه بعين الاعتبار أثناء شق الطرق وترتيب الأبنية السكنية وتحديد ارتفاعها.
وأخيرا يمكن القول بأن للتطور العلمي والتقني أثر كبير لأنه يساهم في إيجاد أساليب وأشكال جديدة لتطور المدن حيث يؤثر هذا التطور على هيكلها ومظهرها العام.
العوامل الاجتماعية والديموغرافية وآفاق تطور المدن:
إن حساب عدد سكان المدينة مستقبلاً وتحديد الكثافة السكانية ودراسة التركيب الهرمي حسب الجنس والأعمار - تشكل الأسس العلمية الضرورية لتطور المدن اجتماعياً واقتصادياً – تسمح بوضع المخططات التنظيمية للمدن على المستوى البعيد – كما تسمح بتحديد الأبعاد الضرورية والمساحات اللازمة لمختلف قطاعاتها (السكن والصناعة والإدراة والتجارة.....)
للعامل الاجتماعي والديموغرافي أهمية كبيرة لأنه سوف يحدد آفاق تطور المدينة بالمستقبل ويؤثر على أساليب تجمع الأبنية السكنية ومواقع وأعداد وأنواع الخدمات اللازمة لها.
ويبدو واضحاً ضرورة جعل المخططات التنظيمية مرنة وقابلة للتعديل في المستقبل فتطور وسائل المواصلات مثلاً يسير بقفزات سريعة جداً بالمقارنة مع إمكانيات تطوير الشوارع بالشكل الذي يسمح فيه بحركة هذه الوسائل بشكل ملائم.
الأشكال المتبعة في توزيع سكان المدن :
يتأثر توزيع السكان سواءً أكان مركزياً أو لا مركزي أو خطي على شكل سلسلة - بشكل - وانتشار - وأهمية وسائل ومصادر الإنتاج - ونوع الصناعة - وبالطبيعة الطبوغرافية - والجغرافية للأرض
وهناك عدة طرائق وأشكال يتمركز بها السكان في المدن منها:
- يتجمع فيها السكان عموماً حول نواة واحدة (الشكل المركزي) تحيط بها منطقة أو عدة مناطق صناعية, و خاصةً إذا كانت الصناعة صناعة ثقيلة وخصوصاً إذا كانت الأرض التي ستقوم عليه المدينة سهلة التضاريس والموقع ذا تحمل ومقاومة جيدين
- أو أن يكون التجمع حول عدد من النوى
-وهناك المدن الغير متمركزة وتظهر على شكل بقعة الزيت فوق الماء وذلك عندما يكون الموقع صعب التضاريس
- وقد يأخذ شكل المدينة أيضاً وضع سلسلة تتابع فيها السكنية والمناطق الصناعية
-وقد تكون منطقة صناعية تتوزع حولها مجموعة من المناطق نتيجة للطبيعة الجغرافية او الطبيعية الطبوغرافية للموقع
وعلى المخططين أن يقوموا بدراسة توزيع وسائل الإنتاج وبتوزيع السكان بشكل متوازن على المراكز المأهولة بالتعاون مع الاقتصاديين.
-اما التوزع المختلط فيتمركز السكان فيه في البداية حول نواة واحدة لخدمة منطقة صناعية ونتيجة للتطور الاقتصادي تظهر مجموعة من النوى الصغيرة وتتطور حول المناطق الصناعية الثانوية الخارجية وكأمثلة على هذا النوع من التوزيع هي أغلبية المدن الكبيرة جداًًً في العالم كمدينة لندن حيث يوجد ثمان مدن تابعة لها (هاور- ستيفينج- كراولي ) وتتراوح المسافة بينها وبين لندن بين 30-50 كم, إذاً الحل المختلط هو الحل المتبع في المدن الكبيرة والكبيرة جداً, حيث يوجد إضافةً للصناعات الأساسية مجموعة أو سلسلة من الصناعات الإضافية في المناطق المحيطة, وبهذا الشكل تظهر مجموعة من المدن التابعة للمدينة الأم, وتتمركز في المدن التابعة عموماً الخدمات الأساسية والخدمات اليومية اللازمة لسكانها, أما الخدمات الأخرى – الجامعات والمسارح والإدارات المركزية .......... فتتواجد في المدينة الأم.
التركيب الهرمي للسكان :
ويتم فيه تصنيف السكان وفقاً لما يلي:
1-حسب الاعمار (لتحديد نسبة الفئات العاملة)
2-تركيب السكان حسب الجنس (يساعد على تحديد نوع الصناعات الملائمة وامكانية تطورها في المستقبل والقوى المنتجة بشكل عام)
3-حسب شرائح الاعمار (يفيد في تحديد نوع وعدد المؤسسات الاجتماعية والثقافية والصحية ...... اللازمة للسكان
4-متوسط عدد أفراد الأسرة في العائلة يفيدنا في معرفة نوع الابنية السكنية فاذا كان المتوسط كبير يتم اختيار الابنية المنعزلة (المنفصلة) والعكس صحيح
ونجد بان التركيب الهرمي للسكان حسب أعمارهم ترافقه تحولات مستمرة فأحيانا يبدو على شكل هرم أو يكون بإشكال اخرى. اذ تتناقص نسبة إحدى الفئات وخاصة متوسطي العمر وذلك بعد الحروب أو نتيجة لهجرة اليد العاملة او قد تزداد هذه الفئة مثلاً نتيجة لتطور صناعة معينة .
إن دراسة ما سبق يفيدنا في حساب الزيادة الطبيعية للسكان الناتجة عن الفرق بين الولادات والوفيات بالإضافة إلى حساب ازدياد عدد السكان نتيجة لتحسين وضعهم الصحي والمعاشي تساعد الدراسة السابقة المخططين في وضع المخططات التنظيمية اللازمة لتطور المدن حالياً وفي المستقبل.
كثافة السكان:
وتعني عدد السكان الذين يقطنون في مساحة وقدرها هكتار واحد, تزداد هذه الكثافة وتنقص تبعاً ًلما يلي:
- أسلوب تجميع السكان في المدينة
- عامل إشغال الأرض بالأبنية السكنية
- مساحة الأرض المشغولة بالخدمات والمواصلات والحدائق.
كلما كانت نسبة إشغال الأرض بالأبنية السكنية المرتفعة كبيراً – ازداد عدد السكان وازدادت كثافتهم فيها وبذلك تكون كلفة الشبكات على مختلف أنواعها ودرجتها اقتصادية. ويزداد طول الشبكات في المدينة وتزداد كلفتها عندما يكون عامل إشغال الأرض بالأبنية القليلة الارتفاع منخفضاً.
والكثافة إما أن تكون شائبة أو صافية
1-الكثافة الشائبة : وهي نسبة عدد سكان المدينة إلى مساحتها الكلية (ما عدا مساحة المنطقة الصناعية) ويتم حسابها وفقاً لما يلي:
ك ش = ع /م – م1
حيث أن: ك ش هي الكثافة الشائبة
ع عدد السكان
م مساحة المدينة بالهكتار ,
م1مساحة المنطقة الصناعية بالهكتار
تتراوح الكثافة الشائبة في المدن عادة من 150شخص بالهكتار ---- 250شخص بالهكتار

2- الكثافة الصافية : وهي نسبة عدد سكان المدينة إلى المساحة المخصصة فقط للمناطق السكنية ويتم حسابها وفقاً لما يلي:ك ص = ع / م – (م1+م2+م3+م4)
حيث أن: ك ص الكثافة الصافية
م مساحة المدينة بالهكتار
م1,م2,م3,م,(وهي المساحة المخصصة على التوالي للصناعة والمواصلات والمؤسسات العامة والمساحة الخضراء مقدرة بالهكتار)
وتتراوح الكثافة الصافية من 250شخص—500شخص بالهكتار.
حساب عدد سكان المدينة في المستقبل:
تقسم سكان المدينة إلى ثلاث فئات (الفئة الأساسية,الفئة الثانوية,الفئة المستهلكة).
و يتم حساب عدد سكان المدينة في المستقبل وفق القانون التالي:
ع= آ×100/ ن1
ع=آ×100/100-(ن2+ن3)
باعتبار أن ع:عدد سكان المدينة في المستقبل.
آ:عدد سكان الفئة الأساسية بشكل مطلق ن1ون2ون3النسب المئوية لفئات السكان الثلاث في المدينة على التوالي الفئة الأساسية والثانوية و المستهلكة و بذلك تكون
ن1=100-(ن2+ ن3)
الفئة الأساسية : و هي الفئة الفعالة التي تعمل في نشاطات تتجاوز الحدود الخاصة بالمدينة عمال المصانع التي تغطي احتياجات بلد ما أو تصدر منتجاتها للخارج,و عمال النقل الخارجي و العاملين في المؤسسات العامة على مستوى الدولة موظفي الوزارات والعاملين في مراكز البحث العلمي وأساتذة وطلاب الجامعات والمعاهد العلمية والفنية.
الفئة الثانوية:وتسمى بفئة الخدمات ويدخل ضمنها العاملون في الصناعة والمهن المحلية الخاصة بخدمة المدينة كعمال الصناعة الغذائية والمحلات التجارية وعمال التصليحات والنقل الداخلي المشترك والموظفين والإداريين والعاملين في المؤسسات الثقافية والاجتماعية والتعليمية على مستوى المدينة.
الفئة المستهلكة: غير العاملة: ويدخل ضمنها الأطفال والصغار والنساء والرجال العاطلون عن العمل والمتقاعدون والمسنون وغير القادرين على ممارسة عمل من الأعمال.
ويمكن حساب عدد السكان المستقبلي بطريقة أخرى:
س2= س1(1+ر)ن
س2:عدد السكان في المستقبل.
س1:عدد السكان حاليا.
ر:معدل النمو السنوي.
ن:عدد السنوات الفاصلة بين الفترتين.
مساحة المدينة:
يمكن حساب مساحة المدينة بالهكتار وفق القانون التالي:
م=(ع / ك ش )+م1
حيث أن م :مساحة المدينة بالهكتار
ع :عدد سكان المدينة في المستقبل
ك ش : الكثافة الشائبة المقبولة بالنسبة لهذه المدينة
م1:مساحة المنطقة الصناعية


منقوول