إن من بين الأسباب التي دفعتنا للخوض في تاريخ اليهود بأقا هو إيماننا أن التاريخ جزء لا يتجزأ من البناء الحضاري والثقافي لأية امة كيفما كانت، وكان لزاما علينا كمهتمين أن ننفض الغبار على هذا المكون الذي يعد من ركائز وأسس الهوية الاقاوية و المغربية بشكل عام وساعدتنا مجموعة من الأبحاث التاريخية وبعض المرويات حول هذه الطائفة التي يحتفظ سكان أقا على بعض منها وسنتحدث في هذه الحلقة حول الاستقرار اليهودي بالجنوب المغربي وبمنطقة أقا.

1. الاستقرار اليهودي بالجنوب المغربي:

من المؤكد والمسلم به أن تاريخ استقرار اليهود بالجنوب المغربي يلفه غموض يستحيل معه كشف حقيقة هذا الاستقرار وذلك لمجموعة من الأسباب راجعة لغياب الوثائق التاريخية للمنطقة والضعف الكبير في الدراسات والأبحاث التاريخية إن لم نقل غيابها، كلها عوامل تحول دون تدقيق في الفترة التاريخية التي استقر فيها اليهود بالجنوب.

فقد قسمت الأبحاث والدراسات المنجزة حول تاريخ استقرار اليهود بالجنوب المغربي إلى عدة مراحل أساسية .
فالمرحلة الأولى حددها المؤرخون مع عصر التوسع البحري والفنيقي، ولعل القصد من هذه الفترة بالذات تأكيد إن اليهود استعملوا السفن البحرية الفنيقية كوسيلة للوصول إلى الجنوب المغربي عن طريق البحر. ففي هذه الفترة أرسل الملك النبي سليمان تجارا من بني إسرائيل إلى السواحل الجنوبية لسوس وواد نون على متن السفن الفنيقية ويقال أنهم نزلوا بمنطقة برأس كريزيم (منطقة بين أكلو وافني) ثم توجهوا نحو الداخل إلى افران ليستقروا بعد ذلك بدرعة بحثا عن الذهب بأمر من الملك سليمان .

أما المرحلة الثانية فقد ثم تحديدها في فترة هروب اليهود إلى الجنوب المغربي بعد انهيار الدولة اليهودية الشمالية فرارا من بطش الملوك الأشوريين والبابليين.

أما بالنسبة للمرحلة الثالثة فقد تزامنت مع تطور المراكز الفنيقية القرطاجية، في الوقت الذي انهارت فيه دولة يهودة واحرق هيكل داوود من طرف الملك الأشوري " نبوخد نصر"، وجاء هؤلاء فاريين بدينهم إلى أن حطوا الرحال بربوع الجنوب المغربي.

وما يؤكد هذا الاستقرار اليهودي القديم هو ما تحمله بعض الأماكن التي عرفت هذا الاستقرار من حيث الدلالة التاريخية وكذلك بعض الآثار التاريخية كالقبور وأسماء الأنبياء وأولياء بني إسرائيل منها منطقة افران الاطلس الصغير وطاطا.

 افران : فاليهود قدموا إليها بحرا فنزلوا بماسة او برأس كريزيم بمركز من المراكز الفنيقية يدعى VADENE على واد نون، فسكنوا الكهوف منذ البداية بعد شراء الاذن من السكان المحليين. بعد ذلك بنو مدينة سموها " أورشليم الصغيرة" وهذا هو الاسم القديم لافران الاطلس الصغير وكانت مملكة وعاصمة يهودية بالمغرب وأول ملوكها يدعى Euphrate .

 طاطا: إن منطقة الجنوب المغربي عرفت استقرارا يهوديا على شكل مستوطنات وتحولت إلى ممالك يهودية خصوصا منطقة درعة، وباعتبار طاطا تنتمي إلى درعة فلها حظها من الثراث اليهودي القديم فهناك قبور الأنبياء كسيدي الشناوي دفين تمدولت بجماعة أقا والنبي سيدي دنيال دفين تامكوت بني عقوب جماعة تاكموت، والنبي سيدي ولكناس دفين اسافن بجماعة اسافن.

2. الاستقرار اليهودي في منطقة أقا

إن ما عاشته الطائفة اليهودية من تاريخ طويل فان عملية أو تاريخ استيطانهم في منطقة أقا لا يعرف عنه الكثير، فاغلب الدارسين والمهتمين بالمجال يفتقدون إلى الوثائق التاريخية والدراسات الاركيولوجية للمنطقة وكانت الرواية الشفوية هي المادة الأساسية ومصدر لتاريخ الاستقرار اليهودي بالمنطقة.

وما سبق التذكير به فان وجود أثار تاريخية كقبر النبي سيدي الشناوي بتمدولت وهي منطقة تنتمي إداريا إلى جماعة تزونين خير مثال لتزكية الوجود اليهودي بمنطقة اقا. ومن بين المعلومات التاريخية التي احتفظت بها الرواية الشفوية أن قدوم اليهود والاستقرار بالمنطقة كان مع قدوم أسرة الشعيبيين القادمين منطقة تازارين النفوذ الترابي لمنطقة زاكورة، فقد اصطحبت معها هذه الأسرة بعض الأسر اليهودية وكان استقرارها الأول في قرية الرحالة حيث هناك نشئ أول ملاح لليهود في المنطقة ، وبعد أن رحل الشعبيين إلى قرية تكاديرت رحل معهم هؤلاء اليهود فاستقروا بها والبعض منهم استقر بقرية تاوريرت.

ففي قرية تكاديرت يوجد أكبر ملاح حيث بلغت الساكنة اليهودية فيه حوالي 200 نسمة وذلك الى حدود الستينات، بينما في قرية تاوريرت فقد استقرت في أول الأمر ثلاث اسر يهودية وهم أسرة إسحاق بن عمران وأيت لياهر وأيت عكو ويرأس هاذين الملاحين يوسف بن بردخاين الذي استقر في المنطقة سنة 1916 وتزوج هناك وتوفي وسنه يناهز 85 سنة.

منقول