موقع النيجر الجغرافي:
تمثل جمهورية النيجر قنطرة بين الصحراء الكبرى شمالها وجنوبها ، وتقع في وسط غرب إفريقيا ً، وقد نالت سيادتها واستقلالها سنة 1960م ثم انضمت إلى منظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة، ومنظمة الوحدة الإفريقية التي صارت "الاتحاد الإفريقي" ..
فدولة النيجر واحدة من دول غرب إفريقيا في منطقة الساحل والصحراء ويحدها شرقاً: تشاد، وشمال شرق: ليبيا، وشمالا: الجزائر، وغرباً: مالي، وجنوب غرب:
بوركينا فاسو، وجنوباً: بنين ونيجيريا.
وتبلغ مساحتها: 1,267,000 كم2، ويرجع اسم النيجر للنهر العظيم الذي يمر بالمنطقة الغربية من البلاد على مسافة: 550 كم.
- التركيبة الاجتماعية للنيجر:
يتكون شعب النيجر من عدد من القبائل الرئيسة تتمثل في الهوسا، والسنغاي، و الزرما، والفلاته، والطوارق، والعرب، والتوبو، والكانوري، والغورمانتشي ، ويلاحظ أن النيجر تتميز عن غيرها من الدول الإفريقية من حيث قلة عدد قبائلها، إذ إنها لا تتجاوز ثمان قبائل رئيسة كما ذكرنا، ويعتبر هذا العدد قليلا مقارنة بقبائل الدول الإفريقية الأخرى التي تعد فيها عدد القبائل بأضعاف هذا العدد، كما تتميز القبائل النيجرية بسمة أخرى وهي الإسلام، الذي يعتبر عنصر توحيد وربط هذه القبائل ببعضها.
فقد تعايشت قبائل النيجر باختلاف أعراقها وأعرافها وتنوع لغاتها وثقافاتها، منذ أمد بعيد في وئام وسلام وتناسق، بفضل الله تعالى أولاً ثم بفضل هذا الدين الحنيف، الذي تدين به الغالبية العظمى الساحقة من سكان النيجر،
وقد صهر الإسلام هذه القبائل في بوتقة واحدة حتى كادت تكون قطعة واحدة، ونرى مظاهر هذا الانصهار فيما وجدناه من انسجام وإخاء بين هذه القبائل، وقلما نجد قبيلة من قبائل النيجر إلا وهي تصاهر الأخرى وتمازجها،ولا عجب إذن إذا لم يوجد في النيجر ما يوجد في بعض دول القارة من الصراعات والحروب القبلية الممقوتة والعرقية البغيضة القاتلة …
واللغة العربية منذ دخل الإسلام إلى هذه المنطقة لغة الآداب والعلوم والدبلوماسية، وكانت لغة كبار العلماء، علموها وألفوا بها كتباً قيمة في المجالات العلمية والأدبية المختلفة التي ازدهرت في حضارة الإسلام قروناً عدة.. فلما جاء الاستعمار الغربي صرف اللغة العربية عن المجال الإداري والسياسي والثقافي، وليضايقها أكثر أدخل كثيراً من الأولاد في مدارسه، وحصر اللغة العربية في مجال الأغراض الدينية.
ورغم ما قام به الاستعمار الغربي من أعمال يقصد بها القضاء على لغة القرآن وعلى القرآن نفسه فقد طُوِّر بعد الاستقلال التعليم الإسلامي المتمثل في المدارس القرآنية والعربية والعربية الفرنسية، ولم يتوقف المسلمون في النيجر في يوم من الأيام عن إدخال أولادهم مدارس تحفيظ القرآن الكريم.
والجدير بالذكر أن اللغة العربية - في النيجر - تمتاز عن غيرها من اللغات المحلية الوطنية الأخرى بأنها تدرّس رسمياً في المدارس الحكومية وغيرها جنباً إلى جنب مع اللغة الفرنسية، لغة الإدارة الرسمية، التي أصبحت بدورها حلقة وصل وتفاهم بين المثقفين بها من الشعب النيجري..
وصول الإسلام إلى النيجر:
كانت بذور الدين الإسلامي قد طرقت أبواب الصحراء منذ وقت مبكر ، وقد لا يعلم الكثير من الناس أن عقبة بن نافع القرشي الفهري قد سار بعد اختراقه الصحراء والواحات من فزان إلى كاوار ، وأنه حاصر خوار عاصمة الإقليم فامتنعت عليه بعد حصار دام شهراً، فتركها ليعود إليها ويفتحها بعد جولة في الإقليم لإخضاع الواحات الأخرى ..
و( كاوار ) تقع في الشمال الشرقي بجمهورية النيجر (الحالية) على الحدود بينها وبين ليبيا.. وما زالت تحمل نفس الاسم إلى يومنا هذا، وبنظرة خاطفة على خارطة جمهورية النيجر يظهر إقليم كاوار.
وقد بدأ الإسلام من ذلك الوقت ينتشر ببط ء وبلا توقف مجتازاً تلك المفازة إلى أن هيمن بفضل الله ، وقد بدأ الإسلام ينتشر في شمال إفريقيا بعلماء دعاة وتجار دعاة منذ تم فتح شمال القارة، واجتاز الإسلام إلى شبه جزيرة إيبرية، وسميت بعد ذلك - اسبانيا اليوم - بالأندلس التي أخذت جزءاً من البرتغال ، إلا أن الدعاة التجار والدعاة العلماء لم يحوّلوا منطقة غرب إفريقيا إلى دولة أو دول إسلامية، إنما الفضل في ذلك بعد الله يعود إلى دولة المرابطين الذين احتلوا غانة وعاصمتها "كومبي صالح".
فقد اتجهوا إليها بقيادة الأمير أبي بكر بن عمر واقتحموها عام: 460 هـ ، وقضوا على الوثنية فيها، وعملوا على تحويلها كلها إلى بلاد إسلامية خالصة، وأقاموا عليها حاكماً مسلماً من الغانيين أنفسهم.. ومن ذلك الحين أصبحت بلاد غانة كلها بلاداً إسلامية..
وهكذا يكون أبو بكر بن عمر قد حوّل معظم بلاد إفريقية الغربية المدارية إلى الإسلام.. وعندما توفي مجاهداً سنة 480هـ كان قد وقف بالإسلام على أبواب إفريقية الاستوائية عند منطقة الغابات الكثيفة.
نسبة المسلمين وواقعهم في النيجر:
ويتضح مما تقدم أن النيجر بلد إسلامي عريق في الإسلام، إذ استقر فيه الإسلام منذ قرون عدة، وشكل الكثير من عادات الناس وسلوكهم، ويُقدّر عدد السكان بحوالي (12) مليون نسمة، وتقدر نسبة المسلمين فيه بـ 97% حسب الإحصائيات الرسمية الأخيرة لحكومة النيجر.
وأما النصارى فإن نسبتهم قليلة جداً، بل يرى بعض الناس أنه لا نسبة لهم، فهم قليل جداً، ومعظمهم أصلاً من غير النيجر، وأما الوثنيون فهم قلة أيضاً ، وقد صبغتهم المظاهر العامة للتقاليد الإسلامية، بحيث لا يستطيع تمييزهم إلا أصحاب البلد من جيرانهم.
وتنبغي الإشارة إلى أن الإبهام وعدم الوضوح الذي دفع الناس - قبل الاستقلال وبُعَيْدَهُ- إلى تقديرات مختلفة لنسبة المسلمين، وكذلك غير المسلمين في النيجر، يعود إلى أن السلطات الاستعمارية تركت عادة لم يتخلص منها الناس بسهولة، وهي عدم الإشارة أو عدم إثبات دين الشخص عند الإحصائيات التي يقومون بها، وقد ترسخ هذا السلوك أو هذا العمل فجرى عليه ما تمّ بعد رحيل الاستعمار في ميدان الإحصائيات..
فلا يوجد أحد أثبت أمام اسمه ديانته في الوثائق الرسمية، ولكن الذين أتيحت لهم الفرصة للطواف في البلاد طولاً وعرضاً وعمقاً يقولون إن البلد كله مسلم، ولا يوجد فيه غير المسلمين تقريباً، وقد لاحظوا أن في المدن والقرى والبوادي مساجد كثيرة، وحتى في القرى التي لا تتعدى عدة بيوت، نجد فيها المسجد والإمام ورئيس القرية الذي يتباهى أن قريته فيها مسجد وإمام وكتّاب لتحفيظ القرآن.
ولارتباط رئيس القرية أو حتى المدائن الكبرى بالمسجد والإمام واجهت مشكلة الذين أرادوا بناء مساجد جديدة، حيث كانت المساجد القديمة، أو معظمها يحيط بها المساكن من الجهات الأربع، ولا تسمح بتوسيعها، فرفض رؤساء المدن والقرى نقل المسجد بعيداً عن بيوتهم، وكذلك تغــيـير الإمام.
وهكذا نرى في النيجر كل مظاهر الإسلام من إقامة صلاة الجماعة والمساجد، والأعياد الإسلامية، وافتخار الناس بلقب الحاج!! وغير ذلك من المظاهر الإسلامية في النيجر.
وقد دفع هذا بعض البعثات المسيحية التي وجدت البلد كله مسلماً تقريباً أن تنشط في الأقلية غير المسلمة، بل وحتى في أوساط المسلمين لتجرها إلى ديانتها، مستغلة فقرها وعوزها ومرضها وجهلها، وتسبب بذلك القلاقل وعدم الاستقرار الذي يسمح لها بالصيد في الماء العكر.
فقد نشطت هذه البعثات بما لديها من إمكانات مادية هائلة تغذيها الدول التي تنتمي إليها، نشطت في حفر الآبار وفي الصحة والإغاثة وتصريف منتجات الفلاحين وأصحاب المهن التقليدية، كل هذا لتجد مكانا تضع فيه قدمها، لتنطلق بعد ذلك إلى العمق وهو غزو الجماهير المسلمة..
وقد لوحظ غياب معظم المنظمات الإسلامية وترك المسرح خالياً ليعبث فيه من يحاولون بوسائل مختلفة زعزعة المسلمين، وصرفهم عن عقيدتهم، فلولا الله تبارك وتعالى ثم الحيوية التي يتمتع بها الإسلام، ومتانة عقيدته، وقوته الذاتية لرأينا ما لا يسر المسلمين.
غير أننا مع ذلك لا نستطيع أن نغفل ما تقوم به بعض المؤسسات الإسلامية في هذا المجال كرابطة العالم الإسلامي والمؤسسة العالمية للإعمار والتنمية (السعودية) والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية( الكويتية) وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية (الليبية)، ولجنة مسلمي إفريقيا الكويتية (العون المباشر) وجمعية قطر الخيرية، ومنظمة الدعوة الإسلامية(السودانية)، والعمل الكبير الذي قامت به منظمة المؤتمر الإسلامي من إنشاء الجامعة الإسلامية في النيجر، التي تعد منارة للعلم والنور، وتعليم علوم العربية والشريعة..
والمتخرجون منها الآن يعدون بالآلاف وهم سفراء للغة العربية وعلومها في مجتمعاتهم، وأصبح لبعضهم مواقع مرموقة في حكوماتهم كوزراء وما دون ذلك.
منقوول