سوق هرج في البصره

عرفت البصرة منذ أقدم الازمنة بأسواقها المتنوعة
وكانت هذه الاسواق منفردة في معظم مدنها فمنها
سوق البزازين وسوق العطارين الذي تباع فيه العطور
والروائح العطرية وسوق الوراقين الذي يقصده العلماء
والمفكرون للتزود بالعلوم والفنون وسوق الصفارين وسوق
القصارين وهو سوق خاص لغسل الثياب وصبغها وتنظيمها
بمطارق من جلد وسوق الصيارفة وغيرها.


ومن أشهر اسواق البصرة القديمة سوق هرج الذي يقع في
مركز المدينة في سوق العشار ويعود تاريخه الى أواخر العهد
العثماني وسمي بسوق هرج للاصوات العالية لباعة السوق
والمنادية على السلع والمزادات التي كانت تقام ليلاً لان الدكاكين
والمحلات كانت تفتح ليلاً وحتى الصباح تباع فيه الملابس التي تسمى (الزبنات)
التي تلمع ليلاً وهي من الحرير والكلبدون (القصب) فتبهر بلمعانها أعين الزبائن
ومرتادي السوق ليلاً لتغريهم بالشراء ولهذا السبب كانت المزادات تقام في الليل
لان السلع المعروضة لها نظرة خاصة في الليل تختلف عنها في النهار ففي النهار
ليس لها نفس اللمعان.
احتلت صناعة الثياب والاقمشة الحريريةوالقطنية والصوفية مكانة الصدارة فأشتهرت
ثياب البصرة في العراق وفي العالم الاسلامي واوروبا وآسيا وكان الاقبال عليها
كبيراً والاقمشة الحريرية تصلها من الموصل الذي يـمتاز بالأقـمشة الرقيقة والـزاهية
والـملونة
بالزخارف وتطرز الثياب بكتابات وتشكيلات من الزخارف النباتية والهندسية فقد كان
الخياطون يتفننون في خياطة النفيس من هذه الاقمشة .
وتوسع سوق هرج بعد الحرب العالمية الاولى سنة 1917 وعرفت اسواق البصرة
بمختلف البضائع والمواد من منأى مختلفة وبعدها ساد الكساد هذا السوق
بعد اقتراب الحرب العالمية الثانية وبعدها تغيرت معالم السوق وتفردت المحلات
الخاصة ببيع البضائع المتنوعة التي كانت تسمى (خردة فروش)وغالباً ماكانت
تلك البضائع من السلع المستعملة واشتهرت في السوق القناديل الزجاجية
والبلوريةوتنوعت اشكالها وتباينت أسعارها وانتشرت مصوغات الخزف والفخار
واصبح التجار يحملون معهم كل نفيس من اللطائف والطرائق الى هذا السوق
وكل ماخف وزنه وغلا ثمنه من بلدان مختلفة وكان الحكام يتدخلون لحماية التجار
واحياناً يكون لصالح المستهلك وكسر الاحتكارات لان التجارة تدر أرباحاً غير محدودة
خاصة وان حالة الشراء التي كان عليها اصحاب السلطة عاملاً أساسياً في الاقبال
علىشراء المستوردات والمحليات فمن البصرة أبحر التجار الى الهند والصين وجنوبي
الجزيرة العربية وافريقيا ومن خلالها وصلت البضائع الى بغداد وكل انحاء العراق.
كان في سوق هرج العديد من الخانات مثل خان الخضيري الذي شهد انطلاقة المسيرة
الجماهيرية لنصرة ثورة العشرين سنة 1920 وكان مرورها في سوق هرج باتجاه مقر القنصلية البريطانية التي مقر محافظة البصرة الان وتكون السوق من الحرفيين العرب والبغداديين والبصريين وبعض الاكرادوالايرانيين واليهود وتخصص التجار الايرانيون في بيع المتاع والاطعمة كسكر القوالب والشاي والفلفل والتمر هندي وانحصرت تجارة القماش بالطائفة اليهودية فبضائعهم تتفق وذوق وطبيعة الناس في البصرة ولايستطيع أحد من التجار منافستهم.
الان سوق هرج اسم على غير مسمى فقد اختفت فيه خردة فروش واستبدلت البضائع القديمة الى محلات تخصصت ببيع الاجهزة الكهربائية فضلاً عن تمسك روافي الملابس بمهنتهم محافظين على أصالة المهنة ومتحدين الموضات الحديثة والملابس الجاهزة فلايزال كبار السن يرتادون سوق هرج قاصدين روافي الملابس يروون الذكريات القديمة ويتحسرون على الايام الكريمة الطيبة. ولكن خردة فروش ظهرت في مكان آخر وكأن التاريخ يعيد نفسه فأنتشرت هذه الايام في مركز المدينة على الشوارع الرئيسة في ساحة الاحتفالات وشارع 14 تموز والجزائر وامتلأت الارصفة بجميع انواع البضائع منها الجديد ومنها القديم منها العراقي ومنها الكويتي فمنها اثاث مستعمل وجديد وهناك ملابس قديمة واجهزة مستعملة وصالونات بألوان واشكال جذابة فضلاً عن لعب الاطفال المتسخة والرديئة وبالات لكل ذوق وقياس واصبح سوق هرج الجديد مليئاً بمختلف البضائع كما كان سابقاً ولكنه الان يغلق في الليل لاحترازات امنية ويفتح صباحاً لاستقبال الزبائن الذين اختلفت أذواقهم فمن الملابس المزركشة اللماعة الى البنطلونات الضيقة ومن الاثاث البسيط الى الاثاث الفاخروالمستعمل وبذلك اصبح سوق هرج القديم يشبه الجديد ولكنه لايفتتح ليلاً

منقوله