وقد استقر العجمان في المنطقة الشرقية بصفة دائمة وحرصوا على حمايتها والوقوف في وجه الاتراك ضد مطامعهم المتزايدة كما قاموا بمشاركة جيش الإمام تركي في استعادة الاحساء وانتزاعها من المماليك . وبعد استقرار العجمان في المنطقة الشرقية قاموا يشاركون الدولة السعودية الثانية في حروبها في بادئ الأمر قال بن بشر : ( سار فيصل بن تركي في عام (1247/هـ) بشوكة المسلمين من أهل العارض والجنوب وسدير والوشم وغيرهم , ومعهم أخلاط من أعراب سبيع والسهول والعجمان وبني حسين وغيرهم وقصدوا عالية نجد من عتيبة وغيرهم . فانهزم الاعراب وصار المسلمون في ساقتهم يقتلون ويغنمون ثم انهزموا , فركب فيصل في شجعان قومه وجمعوا ساقة المسلمين ومعهم الغنائم ونزلوا القويعية .

وفي عام 1249هـ قام مشاري بن عبد الرحمن آل سعود باغتيال الإمام تركي بن عبد الله واستولى على مقاليد الحكم في الرياض , فلما علم الإمام فيصل بن تركي الذي كان يقاتل حركة تمرد قام بها أهل القطيف بخبر اغتيال أبيه وصل إلى الرياض وتمكن من قتل مشاري . وكان العجمان ضمن جيشه الذي سار به وكان بداح العجمي أحد الذين تسلقوا القصر واقتحموه لإلقاء القبض على مشاري وهم : عبد الله بن علي الرشيد وبداح العجمي من آل حبيش وعبد الله بن خميس .

معركة ملح والطبعة :
ترجع أسباب تجدد القتال بين الإمام فيصل بن تركي والعجمان إلى أسباب متعددة أهمها أن راكان بن حثلين طلب من الأمير عبد الله بن فيصل الاستئذان له من الإمام فيصل بالسماح له بالحج فاشترط الأمير عبد الله بن فيصل على راكان أن لا يقابل شريف مكة , وكانت العلاقات غير حسنة بين نجد والإشراف وبخاصة في عهد الشريف محمد بن عون وخليفته الشريف عبد المطلب بن غالب وسبب ذلك يعود لمساندة إشراف مكة لحركات التمرد المختلفة التي تقوم ضد السلطة السعودية وخاصة تشجيعهم لأمراء القصيم على الانفصال عن ولاية نجد التي يحكمها الإمام فيصل بن تركي .

وعند ذهاب راكان إلى الحج في عام 1275/ هـ , علم بقدومه شريف مكة وأكرمه و أرسل إليه الهدايا والأموال , وعند رجوع راكان من الحج أرسل إلى الأمير عبد الله يخبره بما حصل إلا أن الأخير لم يرض عن مقابلة راكان لشريف مكة , وأنذر راكان وقرر محاربته .

وبعد هذا الإنذار غزا راكان بن فلاح وقبيلة العجمان على الإمام فيصل ثم توجهوا إلى الصبيحية بالقرب من الكويت واستقروا فيها ثم قاموا بغارات على أطراف العراق . وفي هذه الأثناء قرر الإمام فيصل أن يقاتل العجمان فأعلن النفير العام في آخر شعبان عام 1276 هـ وأرسل ابنه الأمير عبد الله بن فيصل بقيادة جيش كبير توجه إلى ( الوفراء ) التي كانت مركزا لتجمع قوات العجمان فقابل فئة من قبيلة العجمان وانتصرت القوات السعودية وانسحبت قوات العجمان بقيادة راكان إلى الجهراء ولحقهم جيش عبد الله بن فيصل وفي مكان يدعى ملح قرر العجمان المواجهة والصمود لقوات عبد الله ودارت المعركة بين جيش عبد الله وجيش العجمان بقيادة راكان وكانت معركة حامية الوطيس انتهت بهزيمة العجمان , وذلك لعدم التكافؤ بين القوتين من حيث العدد والعدة على حسب تعبير د. أبو علية .

ويذكر الشيخ عبد الله الدامر بأن راكان بن حثلين لم يحضر موقعة ملح وإنما الذي حضر المعركة فئة من قبيلة العجمان بزعامة الشيخ علي بن سريعة شيخ آل شامر وقد استبسلوا في القتال , وانتصرت القوات السعودية ولكن عدد القتلى أقل مما ذكره المؤرخون فكان ما بين 100ـ150 قتيل .

ومما يدل في ذلك الوقت على أن قوة العجمان كانت تمتد حتى أراضي العراق الحالية , أن أهل الزبير والبصرة سروا بهزيمة العجمان بل أن الأتراك الذين كانوا يحتلون العراق فرحوا لهزيمة العجمان في معركة ملح وأرسل باشا البصرة إلى الأمير عبد الله بن فيصل هدايا كثيرة .

وبعد معركة ملح لجأ معظم العجمان إلى الكويت في حما شيخها آنذاك " الشيخ صباح الثاني " , الذي أجارهم بالرغم من أن العلاقات كانت طيبة بين الكويت والدولة السعودية , لقد كان الأمير عبد الله بن فيصل , يدرك أبعاد لجوء العجمان إلى الكويت , لذلك أراد إخراج العجمان من الكويت حتى يجهز عليهم , قبل أن يعدوا له عدة أخرى . فسارع الأمير عبد الله بإرسال أحد رسله إلى شيخ الكويت يطلب منه إخراجهم من الكويت , ولقد أساء ذلك الرسول التعبير في أداء رسالته واعتبر شيخ الكويت ما قاله منافياً للأدب , فرفض إخراج العجمان الذين نزلوا في بلاده .

وفي أرض الكويت وما حولها أخذت قبيلة العجمان في التخطيط لجولة أخرى لأنها لم تيأس من القدرة على النهوض بالرغم مما حل بها من خسارة في المعركة السابقة .

أخذ العجمان يدبرون الحيلة لخوض معركة أخرى , فأخذوا يتشاورون بأمر المستقبل , فليس بمقدورهم وحدهم أن يأملوا في الصمود أمام قوات عبد الله الكثيرة والقوية , وكان قرارهم أن يتحالفوا مع قبائل المنتفق , للقيام بسلسلة متعاقبة من الغزوات المستمرة , وفي الخريف من ذلك العام بدؤا بازعاج تخوم البصرة والزبير والكويت .

ويبدو أن اتفاق العجمان مع المنتفق وقيامهم بغاراتهم السابقة الذكر أزعج الأتراك الذين يتطلعون إلى مد نفوذهم على منطقة الاحساء مرة أخرى , وانتدب أمير الزبير لحشد قواته والرد على عملياتهم الحربية . وقام الوالي بتزويد تلك القوات الكبيرة بالمال والسلاح والذخيرة والمؤن اللازمة وتجنيدها وإرسالها إلى الميدان , وهكذا قررت القوات التركية أن تقف ضد العجمان وحلفائهم وكانت أول خطوة قام بها العجمان وحلفائهم , أن أغاروا على مزارع نخيل شط العرب , واستولوا على مخزون التمر لاختزانه من أجل حملة طويلة الأمد ضد نجد , وهاجمهم جيش الزبير بمساندة الأتراك والمجندين من قبائل نجد وطردوهم من مزارع النخيل إلى الصحراء ثم طاردهم مرة أخرى وحينئذ اضطر العجمان إلى الانسحاب إلى جهرا وكبدة وكويبدة , ولم يكتف الأتراك وحلفائهم بإجبار العجمان على الانسحاب , بل أرادوا أن يجعلوا العجمان وحدهم في الميدان , وضغط الأتراك على المنتفق وأجبرهم على التخلي عن حلف العجمان بعد أن هدد حبيب باشا المنتفق بمصادرة أراضيهم في البصرة على الرغم من أن المساعدات الكاملة التي أمل فيها العجمان من قبائل المنتفق كانت مجرد عناصر غير منتظمة من القبيلة تنزل قرب الجهراء .

وفي عام 1277/ هـ سمع الإمام فيصل بان العجمان يعدون العدة لمهاجمته مرة أخرى , لذلك أمر ابنه عبد الله أن يسير لقتالهم , فخرج معه أهل الرياض من سبيع والسهول وتوجه إلى الجفنه فنزل عليها أياماً إلى أن اجتمعت عليه بقية الجنود ثم ارتحل عنها وتوجه إلى الوفراء , وعندما وصل هناك قدم عليه قبائل مطير وبني هاجر ثم زحف منها بجنوده وحث السير حتى وافا العجمان وهم على الجهراء , فحصل قتال شديد وانهزم العجمان وقتل منهم أعداد كثيرة وغرق منهم في البحر خلق كثير وذلك انهم دخلوا البحر وهو جازر فمد عليهم وغرقوا .

وقد ذكر المؤرخون أن جيش عبد الله بن فيصل في هذه المرة كان مكونا من ثمانية جيوش تمثل القبائل والمناطق التي تنتمي إليها ضد قبيلة العجمان ومن آزرهم في المنتفق بعد انسحاب معظمهم وقد استبسل كل من الفريقين في القتال ووقعت معركة عظيمة ولكن كثرة جيوش عبد الله بن فيصل أدت إلى انتصار الجيش السعودي , وقد سميت هذه المعركة بمعركة الطبعة وقد سماها بعضهم بمعركة الطينة وبناء على هلاك العجمان بالوحل والطين وذلك بتاريخ 1277/ هـ ( 1861م ) .

ومع أن هذه المعركة كانت تشكل هزيمة كبيرة إلا أن رئيسهم راكان بن حثلين ومن معه من أمراء العجمان وفرسانهم استطاعوا ببسالة وشجاعة أن يخترقوا صفوف المهاجمين وينجون مع من سلم من بقية المقاتلين من العجمان . وقد اتجه راكان ومن معه من العجمان بعد تلك المعركة الى البحرين حيث استقبله عدد من أسرة الخليفة وفي مقدمته حاكم البحرين في ذلك الوقت الشيخ محمد بن خليفة وأخوه الشيخ على بن خليفة والشيخ أحمد بن خليفة الغتم ومكث في البحرين حتى عام 1282هـ .

عهد الحرب الداخلية بين أبناء الإمام فيصل بن تركي :
توفي الإمام فيصل بن تركي في الحادي والعشرين من شهر رجب عام 1282/ هـ وبعد موته بويع عبد الله بن فيصل الابن الأكبر إمام ولكن بذور الخلاف بين الأخوين عبد الله وسعود كانت تنمو بصورة مطردة وبعد عام من موت الإمام فيصل بدأت المنازعات بين الاخوة واستمرت الحروب بينهما قرابة خمسة وعشرين عاما وكانت سبباً في تمزيق وحدة الأسرة الحاكمة ودخول منطقة نجد والاحساء حالة من الفوضى والاقتتال وتدخل القوى المختلفة . وقد كان كل من الأميرين عبد الله بن فيصل وسعود بن فيصل لـه ميزاته القيادية كالكرم والشجاعة وكان لكل منهما مؤيديه وأنصاره .

وقد اختلفت الروايات حول سبب الخلاف والاقتتال بين الأخوين والمؤرخون العثيمين : " الطموح إلى تولي السلطة والتنافس على حكم كسبب رئيسي للاقتتال بين الاخوة " . وتشير المصادر التاريخية إلى أن سعودا أعلن معارضته لحكم اخيه وتوجه في بادئ الأمر إلى عسير عام 1283 هـ ( 1866م ) وطلب المساعدة من محمد بن عايض , ورفض ابن عايض مساعدة سعود نظراً لعلاقته الطيبة مع عبد الله .

موقف العجمان من النزاع بين الأخوين :
بعد أن اعتذر بن عايض عن مساعدة الأمير سعود بن فيصل , توجه الأخير إلى نجران وطلب من أميرها النصرة , فرحب به رئيس نجران وأرسل معه أثنين من أولاده في جيش كبير وانضم إليهم ( آل مرة ) بزعامة أميرهم فيصل المرضف وآل شامر من العجمان بزعامة علي بن سريعة بالإضافة إلى عدد كبير من الدواسر وعدد من قبائل منطقة السليل بزعامة مبارك بن روية وعندما علم عبد الله بن فيصل بأخبار هذه الحشود , أرسل إليهم جيشاً كبيراً بقيادة أخيه محمد والتقى الجيشان في المعتلى ودارت رحى الحرب وانهزمت قوا سعود بن فيصل وقتل في هذه المعركة علي بن سريعة زعيم آل شامر من قبيلة العجمان , وجرح سعود بن فيصل ولجأ مع بقية قواته إلى الاحساء ثم انتقل بعد ذلك إلى عمان .

ويذكر د. أبو عليه أن من نتائج هذه المعركة أن سعود بعد انتقاله إلى عمان بدأ يخطط لكي يفصل المنطقة الشرقية عن أخيه لكي يفقد الرياض مصدراً من مصادر قوته معتمداً في تلك الخطة على سوء العلاقات بين عمان والرياض ومساعدة المعتمد البريطاني في الخليج يضاف إلى ذلك العون الذي ستقدمه القبائل الغاضبة من سياسات عبد الله بن فيصل العجمان وبني خالد وبذلك يكون سعود قد كون حلفاً من عمان والحرين والعجمان وآل مرة وبني خالد ضد أخيه عبد الله .

أما عبد الله بن فيصل فبعد انتصار قواته في معركة المعتلي , فقد قرر أن يعاقب العجمان على مساعدتهم لسعود وفي عام 1284 /هـ , أرسل عبد الله بن فيصل عمه عبد الله بن تركي إلى الاحساء وأمره بأن يحبس كل من يظفر به من العجمان وان يحرق بيوتهم . ولما وصلت القوات السعودية إلى الاحساء قامت بقتل العديد من المقيمين في الاحساء من العجمان وآل مرة وأجرت أعمالاً انتقامية كهدم البيوت وأحرقها . وقد اعترض والي الاحساء محمد السديري على تصرفات عبد الله بن تركي وقتله لبعض الضعفاء من العجمان بغير سبب واضح وقدم استقالته .

وفي عام 1286هـ ( 1869م ) قدم الامام عبد الله بن فيصل إلى منطقة الاحساء ونزل على دعيلج الماء المعروف هناك , وأقام نحو أربعة اشهر وظل يراقب تحركات أخيه سعود خوفاً من أن تفلت هذه المنطقة وقبائلها من سيطرته وتنضم إلى أخيه سعود , وبعد ان اطمأن إلى الوضع هناك عاد إلى الرياض .

وعندما علم سعود بن فيصل بعودة أخيه إلى الرياض , انتقل من البريمي إلى البحرين ورحب به حاكم البحرين في ذلك الوقت عيسى بن علي بن خليفة الذي ساعده بقوات بحرينية كان من ضمنها أحد أسرة آل خليفة والمعروف باسم أحمد بن خليفة الغتم ناوشت قوات عبد الله بن فيصل في قطر واستطاع جيش عبد الله أن يصد قوات سعود ومن معه . وفي هذه الأثناء حدثت وقعة الرياحية بين العجمان وبني هاجر , وانتصر فيها العجمان نصراً كبيراً ما أدى إلى تدخل عبد الله بن فيصل الذي أرسل العجمان يأمرهم بأن يعوضوا بني هاجر عن خسائرهم في القتلى وتوعدهم وهددهم . ولما علم الأمير سعود بن فيصل بالخلاف القائم بين أخيه والعجمان . لم يتردد في تشجيعه للعجمان بل بدأ يلتمس الحلفاء والأنصار وفي البحرين وقد حاول المقيم البريطاني من أن يقنع شيخ البحرين بعدم التدخل بين الأخوين ويثنية عن رأيه في تقديم المساعدة لسعود . ولكن بعض القوات البحرينية بقيادة أحمد بن خليفة الغتم شاركت في جيش الأمير سعود والذي تمكن من تكوين حلف مع القبائل الموجودة في المنطقة الشرقية وبخاصة قبيلة العجمان وآل مرة وبني خالد , ويذكر د. أبو عليه : ( أن الأمير سعود استمال زعيم العجمان راكان بن حثلين , ويبدو أن سعود مناه بحكم المنطقة الشرقية وهذا يتوافق مع أهداف رؤساء العجمان وبني خالد الذين كانوا يحاولون استعادة مركزهم القديم ) ولم يتردد العجمان في نصرة سعود وخاصة بعد ما قام به عبد الله بن تركي من إحراق لبيوتهم والسجن والقتل لبعضهم , وخوفهم من تهديدات عبد الله بن فيصل .

بعد أن تمكن سعود من حصوله على تأييد القبائل القوية في المنطقة الشرقية توجه بقواته المتحالفة وفي طليعتهم العجمان إلى الاحساء وخرجت قوات المدينة بقيادة ناصر بن جبر الخالدي ممثل الإمام عبد الله بن فيصل , وتقاتل الجيشان وانتصرت قوات الأمير سعود بن فيصل ولجأت قوات ناصر بن جبر إلى الهفوف وتحصنت فيها وقام الأمير سعود وقواته بمحاصرة تلك القوات مدة أربعين يوماً وضيق عليهم الحصار وتعرف هذه المعركة بوقعة الوجاج .

وعندما علم عبد الله بن فيصل بحصار قواته في الهفوف قام بإرسال قوات من الرياض بقيادة أخيه محمد بن فيصل , والتقت الجيوش عند عين جودة في رمضان 1287هـ ( 1 ديسمبر 1870م ) .

ودارت معركة قوية انتهت بانتصار سعود بن فيصل والعجمان على قوات عبد الله بن فيصل , وكانت نتيجة المعركة فادحة في القتلى وخاصة بعد أن ضعفت قوات محمد بن فيصل , ويذكر . أبو عليه ( أن من أهم نتائج معركة عين جودة استسلام الاحساء للأمير سعود بدون عناء واصبح سيد المنطقة الشرقية بدون منازع , كما تزايدت قوات العجمان وآل مرة وبني خالد , وبدأت هذه القبائل تسعى لاستعادة نفوذها ومجدها في تلك المنطقة ) . بل أن د. أبو عليه يؤكد أن معركة عين جودة تعتبر بداية النهاية للدولة السعودية الثانية التي بدأت في التقلص والضعف حتى انتهت في عام 1309هـ ( 1891م ) .

وبعد هذه المعركة جمع عبد الله بن فيصل أمواله وعياله وترك الرياض متجها إلى ابن رشيد في حائل وأرسل عبد العزيز أبا بطين إلى والي بغداد مدحت باشا يطلب منه العون والنصرة ضد أخيه سعود بن فيصل فوعده مدحت باشا بذلك .

وتذكر بعض المصادر التاريخية أن محمد بن هادي بن قرملة أمير قحطان قدم إلى سعود بن فيصل ولم يستقبله سعود بن فيصل الأستقبال اللائق به وذلك لخلاف بين قبيلة العجمان وقبيلة قحطان إذ خشي الأمير سعود ( أن يكون إكرامه لابن هادي داعياً لغضب ابن حثلين ) حسب تعبير المؤرخ العثيمين .

موقعة البرة ( 1288هـ ) :
قدم محمد بن هادي بن قرملة زعيم قحطان على عبد الله بن فيصل وشجعه على العودة إلى الرياض ولما علم سعود بذلك زحف بجنوده ومعه قبيلة العجمان من الاحساء قاصداً الرياض , فخرج منها عبد الله ولجأ إلى قحطان وسيطر سعود ومعه العجمان على الرياض وقدم عليه رؤساء البلدان وبايعوه . ثم جهز سعود قواته وخرج ومعه قبائل الجمان وآل مرة والسهول والدواسر وأهل الرياض والخرج والحوطة لملاحقة أخيه عبدالله والتقى الجيشان في جمادي الأولى عام 1288/هـ في البرة بالقرب من ضرماء , وعاد سعود منتصرا إلى الرياض بعد هزيمة جيش عبد الله بن فيصل .


تاريخ قبيله العجمان ابان حكم السعوديه الثالثه :
فترة الوفاق بين الملك عبد العزيز وقبيلة العجمان :
كانت معظم القبائل متعاطفة مع الملك عبد العزيز خلال إقامته في الكويت , وكانت قبيلة العجمان من ضمن هذه القبائل بل نظراً لأن هذه القبيلة كانت تتردد على الكويت كثيراً وبعضها كان يسكن أراضي الكويت فإنها كانت تنتظر بداية تحرك الملك عبد العزيز لاستعادة ملك آبائه وأجداده , وكان زعماء قبيلة العجمان يرغبون في مشاركة الملك عبد العزيز في غزواته ومعاركه المرتقبة ، وذلك لأمرين :-



أنهم وجدوا عند لقائهم مع الملك عبد العزيز في الكويت أنه يتمتع بصفات قيادية مميزة تؤهله لاستعادة الحكم .
أن العجمان لم يكونوا متعاطفين مع عبد العزيز بن متعب آل رشيد الذي أسرف في القتل في معركة الصريف عام 1319 / هـ وكان العجمان ضمن جيش بن صباح وعبد الرحمن بن فيصل في تلك المعركة كما إن إجراءاته التعسفية ضد خصومه " زادت إلى تطلع الكثيرين للتخلص من حكمه


لذلك لم يتردد العجمان في مشاركة الملك عبد العزيز في غزواته التي أراد فيها التمهيد لفتح الرياض وإثبات وجوده كقائد قادر على تحقيق المكاسب والانتصارات العسكرية فانضم إليه العجمان في عام 1319/هـ 1901م حينما قام بالغزو ومعه ألف وخمسمائة هجان وستمائة وخمسون فارساً من العجمان بقيادة الشيخ محمد بن دبلان ، ضد عتيبة وقحطان ومطير والدواسر والموالين لابن رشيد في ذلك الوقت وتسمى هذه المعركة وقعة " خزة " ويذكر الزركلي إن كثير من العجمان قاموا بمشاركة الملك عبد العزيز في تلك الوقائع ، ويذكر العثيمين إن الملك عبد العزيز لم يرد التوجه إلى الرياض مباشرة بعد خروجه من الكويت ، بل توجه إلى مناطق البادية ، وخاصة قبيلة العجمان في جهات الإحساء ، التي انضمت إليه في غزواته ، كما انضم إليه عدد لا بأس به من القبائل الأخرى من آل مرة وسبيع والسهول .

وقد أدت تلك الغزوات إلى قيام عبد العزيز بن متعب بن رشيد بطلب من الدولة العثمانية في التدخل للحد من قوة ابن مسعود ، وهددت الدولة العثمانية تلك القبائل ومنها العجمان بمنعهم من التزود بالمؤن وعدم دخول الإحساء وما حولها فخافت تلك القبائل من بطش الأتراك وآثرت السلامة .

وبقى مع عبد العزيز رجاله الذين خرجوا معه من الكويت وانضم إليهم عشرين رجلاً ممن التحقوا به بعد ذلك ، وهم الذين شاركوه في فتح الرياض وكان منهم بعض من قبيلة العجمان وهم حترش العرجاني , وحشاش العرجاني ، ومحمد بن وبير الشامري ، ومعضد بن خرصان الشامري .

فترة غياب الوفاق بين الملك عبد العزيز والعجمان : :
بعد فتح الرياض استمر العجمان في ولائهم للملك عبد العزيز وشارك كثير منهم في جيش الملك في معاركه المختلفة ، ولكن بوادر الاختلاف ظهرت بعد فتح الإحساء ، عندما قام الملك عبد العزيز بحث العجمان على غزو مطير وواعدهم بإحدى مناطق الصمان شمال منطقة الإحساء ، فلما تيقن من ذهاب العجمان إلى المكان المحدد سار بقواته إلى الإحساء واستولى عليها في جمادي الأولى عام 1331هـ / أبريل 1913م ، ويعلل الريحاني أسباب إبعاد الملك عبد العزيز للعجمان من المشاركة في فتح الإحساء من (( أنهم رواد مطامع سياسية في الإحساء وقد لا يوافقون على احتلالها )) . ويتفق معه آخرون في إن إبعادهم قد يكون خشية إن يفسدوا على الملك عبد العزيز خطته إن بقوا في منطقة الإحساء .

وذكر فلبي أن مبارك الصباح حاكم الكويت كان يري أن علاقة العجمان بالملك عبد العزيز كانت طيبة ، وكانت القبيلة بصفة عامة تعترف بسيادته وولائها له ، ولاكن بعد فتح الإحساء التي هي مركزها ، أضعف ولائها ، يضاف إلى ذلك إلغاء الملك عبد العزيز للإتاوة التي كانت تدفعها القوافل المارة عبر مناطق العجمان ، وهي الضريبة التي اعتادت قبيلة العجمان أخذها من هذه القوافل إبان الحتلال التركي . وبناء على ذلك فإنه يمكن حصر أسباب بدء الخلاف بين الملك عبد العزيز وقبيلة العجمان في الآتي :-

أن الملك عبد العزيز لم يخبرهم بخطته لفتح الاحساء .
أنهم شعروا بتقلص نفوذهم وسيادتهم في منطقة الإحساء يضاف إلى ذلك إلغاء الضريبة التي تشكل بالنسبة لهم مورداً مالياً هاماً . مع أن الملك عبد العزيز قام بهذا العمل تجاه جميع القبائل التي تخضع لحكمه وهو التصرف السليم للدولة التي تريد أن تفرض سيطرتها على رعاياها . ولعل السبب الرئيسي وراء هذه الاختلافات هو رؤية الدولة مقابل نظرة القبيلة للأمور السياسية والاقتصادية . فالملك عبد العزيز يريد أن ينشئ دولة لها سيادتها على جميع أفرادها ولها نظامها القانوني الذي يجب أن يحترمه الجميع ولها حدودها الإقليمية ولها سلطتها المركزية , بينما القبيلة لم تتقبل بعد تلك المفردات الغريبة على مفهومها فهي تدين لابن سعود بالولاء ولكن في حدود مفهومها لهذا الولاء , فهي لا تزال حديثة عهد بالغزو وحرية التنقل ومفهومها لسيادة القبيلة على مناطقها وعدم خضوعها لأي سلطة أخرى .


معركة جراب ( ربيع الأول 1333هـ / يناير 1915م ) :
في شهر ربيع الأول عام 1333 هـ تقابل جيش الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن المكون من حاضرة أهل الرياض وقبيلة مطير وجماعة من العجمان , مع جيش سعود بن عبد العزيز بن متعب بن رشيد المكون من حاضرة أهل حائل وبادية قبيلة شمر في موقع ماء من مياه القصيم يسمى جراب ) ودارت بينهما معركة , انتهت بانسحاب جيش الملك عبد العزيز وانتصار قوات ابن رشيد .

وقد تناول بعض المؤرخين موقف العجمان من هذه المعركة واختلفت وجهات نظرهم على عدة آراء :

منهم من جعل العجمان هم أسباب الهزيمة واتهمهم بالانسحاب المتعمد من المعركة , وهذا قول بن عبيد , ومن اقتبس منه بدون أي تحقيق أو استقصاء عن حقيقة زعمه مثل أمين الريحاني .
منهم من لم يذكر انسحاب العجمان وإنما ذكر بأن أهل القصيم في جيش الملك عبد العزيز رجحت كفة من أمامهم من قوات بن رشيد عليهم فتقهقروا ثم تقهقر معهم بقية أتباع الملك عبد العزيز , وهذا رأى القاضي , والذكير وموزل كما نقله المؤرخ العثيمين عنهم , وبالتالي فإنهم لا يذكرون أي انسحاب بدء به العجمان وإنما كان انسحابهم مرافقاً لانسحاب بقية جيش الملك عبد العزيز , ولكن القاضي يذكر بأن فئة العجمان عندما رأت فئات من شمر تغير على إبل الملك عبد العزيز فإنهم أخذوا ما تمكنوا من أخذه من تلك الإبل , ويعلق العثيمين على هذه الحادثة بقوله " ومن المحتمل أن تلك الفئات لم تكن مخلصة للملك , ولكن من المحتمل أيضاً أنها اعتقدت أنها إن تركت الإبل فستأخذها شمر ففضلت أن تكون لها مادامت مأخوذة من ذلك الملك على أية حال " .
ذكر فلبي أن العجمان انسحبوا من المعركة في وقت كان استمرارهم في المعركة يمكن أن يؤدي إلى تحقيق النصر لجيش الملك عبد العزيز وأن الملك عبد العزيز عندما رآهم ينسحبون انسحب هو أيضاً من المعركة , ولم يذكر فلبي أي شيء عن الاعتداء على ابل الملك عبد العزيز .
أما ابن بسام , والشيخ خزعل فلم يذكر أي شيء عن انسحاب العجمان من المعركة .


ولو تأملنا هذه الآراء لوجدنا أن الرأي الأول أخذت معلوماته من مصدر واحد وهو ابن عبيد ـ عفا الله عنه ـ الذي تهجم كثيراً على العجمان كلما ورد ذكرهم في كتابه ولذلك فلا يعتمد على قوله , وأما أخذ العجمان لأبل ابن سعود فمع أن الدكتور العثيمين أورد الاحتمال بأن العجمان الذين أخذوا الإبل قد يكون في نيتهم عدم تركها لابن رشيد لكي يأخذها , إلا أن أغلب المصادر لا تذكر أخذ العجمان لتلك الإبل .

وأما قول فلبى فمن المحتمل جداً أن العجمان انسحبوا من المعركة عندما رأوا الفوضى بدأت تدب في صفوف الجيش وبدأت فئات من الجيش تنسحب , هذا يتفق مع ما نقله العثيمين عن القاضي والذكير وموزول من أن الانسحاب بدأ عندما بدأت كفة جيش ابن رشيد المواجهة لأهل القصيم ترجح , ولعل الملك عبد العزيز عندما رأى فئات من جيشه أعباء المواجهة العسكرية وحدهم فانسحب تدريجياً من المعركة .

أما مصادر قبيلة العجمان والتي شاركت في تلك المعركة فتذكر الآتي :

أن معظم قبيلة العجمان و زعمائها بقيادة ضيدان بن حثلين قاتلوا قتالاً شديداً في تلك المعركة , بل إن قوات ابن رشيد انهزمت في أول الأمر .
أن الانسحاب من المعركة تم بعد انسحاب جميع القوات وكان العجمان في رفقة الملك عبد العزيز عند الانسحاب .
أما موضوع أخذ الإبل فلم يحدث شيء من هذا القبيل .
أن العجمان انصرفوا مع الملك عبد العزيز بعد المعركة حتى وصل إلى الدهناء وبقوا في معسكره بضعة أيام , ثم استأذنوه في أن يسمح لهم بالغزو خارج حدوده , ووضح لهم الملك عبد العزيز بأن حدوده من النفوذ وغرب وفهم العجمان من هذا التلميح أن الملك عبد العزيز سمح لهم بالغزو وجهة الشمال وقاموا بشن غارات متتالية على الزبير وشمال الكويت.


ويؤيد هذا الرأي عدة أمور :-
أولا : لم يذكر فلبي أن العجمان قاموا بالانسحاب المتعمد أو انهم هم أول من انسحب كما يرجح أن بقاءهم في المعركة كان من المحتمل أن يكون سببا في النصر .
ثانياً : أن الملك عبد العزيز هو أيضاً انسحب من المعركة
ثالثاً : أنه بعد خمسة أشهر من معركة ( جراب ) , وقبل معركة كنزان قام الملك عبد العزيز بإرسال خطاب
إلى الوكيل السياسي البريطاني في 8 يوليو 1915م يعدد أسباب غضبه على العجمان وهي :-
تلقيهم أموال من العثمانيين بواسطة ابن رشيد , وتعاونهم مع أحفاد الأمير سعود بن فيصل ضده ورفضهم إعادة منهوبات الكويت . ولم يذكر أن غضبه عليهم بسبب موقفهم في معركة جراب , ولم يذكر موضوع أخذهم الإبل وهو أولى بالذكر من أخذهم بعض مواشي أهل الكويت .

معركة كنزان :
بعد معركة جراب جاءت الأحداث لتضع العجمان في مواجهة الملك عبد العزيز , ففي العام نفسه اشتكى أمير الكويت مبارك بن صباح للملك عبد العزيز من قبيلة العجمان أغارت على بعض المواشي العائدة للكويت , وأنهم لجئوا إلى مناطقهم القريبة من الإحساء وطلب من الملك عبد العزيز أن يقوم بمحاسبة العجمان ورد ما أخذته تلك القبيلة للكويت , ويذكر الوكيل السياسي البريطاني نقلاً عن أحد شيوخ العجمان " أن هذه الحادثة بدأت حين قام نفر من أتباع ضيدان بن حثلين أمير العجمان بسلب بعض المواشي العائدة لبعض أهل الكويت والزبير , فتدخل ابن سعود طالباً إعادة المنهوبات إلى أصحابها , ولكن ابن حثلين اعترض على إعادة المنهوبات التي تخص الكويت لأنهم سبق وأن قاموا بنهب بعض مواشي العجمان , ورغم كل ذلك فقد أبدى ابن حثلين استعداده لإعادة المنهوبات إذا أصر ابن سعود على ذلك " , ثم يضيف بأن المشكلة كادت تحل لولا أن الأحداث تسارعت وقدم إلى العجمان أحفاد الأمير سعود بن فيصل الذين كانوا على خلاف مع الملك عبد العزيز , ومن الخطاب الذي أرسله الملك عبد العزيز إلى الوكيل السياسي البريطاني في رمضان 1333هـ / يوليو 1915م , يمكن حصر أسباب معركة كنزان فيما يلي :

اعتداء قبيلة العجمان على قوافل تابعة لحكومة الكويت ورفض العجمان رد تلك المنهوبات .
تلقيهم أموال من الدولة العثمانية بواسطة ابن رشيد , مما يعني أن هناك نوعا من التنسيق بين قبيلة العجمان وأعداء الملك عبد العزيز الذين يحرضون العجمان على التمرد والعصيان
تعاونهم مع أحفاد الإمام سعود بن فيصل المناوئين للملك عبد العزيز في ذلك الوقت . بعد أن تجمعت لدى الملك عبد العزيز الأسباب الكافية لقتال العجمان , أراد أن يتأكد من صدق نوايا الشيخ مبارك الصباح قبل أن يتخذ أي إجراء ضد قبيلة العجمان , فشرط الملك عبد العزيز على مبارك أن يمده بالمال اللازم وما يحتاجه من رجال وسلاح وألا يستقبل العجمان إن لجئوا إلى الكويت وإلا يتوسط بينهم وبين الملك عبد العزيز إن طلبوا الصلح .


وعندما علم العجمان بأن الملك عبد العزيز قد أتفق مع الشيخ مبارك على محاربتهم اتجهوا إلى الإحساء , ونزلوا في كنزان في شرقي الإحساء , وكان الملك عبد العزيز قد أسرع في التوجه إليهم قبل أن يأتيه الجيش الكويتي فوصل إلى الإحساء في أواخر شعبان 1333هـ / أواخر يونيو 1915م وكان جيشه مكون من أربعة آلاف رجل من أهل نجد والإحساء , ويذكر فلبي انه عند وصول الملك عبد العزيز أرسل العجمان إلى الملك عبد العزيز يطلبون منه الهدنة ووافق الملك على ذلك بشرط أن يتقابل معهم في صباح اليوم التالي لعمل الترتيبات لسلام دائم . وكان الأمير سعد بن عبد الرحمن أخو الملك عبد العزيز غائباً عندما وافق الملك على الهدنة ولما علم بذلك الأمر غضب من موقف الملك , و أصر على القيام بهجوم مفاجئ على قبيلة العجمان في تلك الليلة وافق الملك عبد العزيز أمام إلحاح أخيه الشديد مخافة أن تتفرق كلمتهم أو أن يقوم سعد بالهجوم لوحده .

وكان العجمان قد أرسلوا من يراقب مخيم الملك عبد العزيز لذلك وصلتهم تحذيرات تبلغهم بتحرك جيش الملك عبد العزيز , فقام العجمان بإيقاد النيران أمام بيوت الشعر والخيام , إيهام جيش الملك بأنهم مقيمون فيها , وقاموا بإخراج النساء والأطفال من البيوت وأبعدوهم عنها , وكمن الرجال في أماكن تحيط بالخيام , وانطلت الحيلة على جيش الملك عبد العزيز , وراحوا يطلقون نيران بنادقهم على البيوت الخالية , وعندما أوشكت ذخائرهم على الانتهاء انقض عليهم العجمان من كل اتجاه ودبت الفوضى في جيش الملك وحلت بهم الهزيمة وقتل الأمير سعد بن عبد الرحمن وجرح الملك عبد العزيز جرحاً بليغاً , وقام العجمان بتتبع الجيش المنهزم حتى تحصنوا في الهفوف , وحاصرت قوات العجمان جيش الملك عبد العزيز حوالي ثلاثة أشهر , وبعد ذلك جاءت الإمدادات إلى الملك عبد العزيز فوصلته قوات من الرياض بقيادة أخيه محمد بن عبد الرحمن , وجهز مبارك الصباح حملة بقيادة ابنه سالم تتكون من مائة وخمسين رجلاً من الحضر ومائتين من البدو والذي يذكر الريحاني أنه تباطأ متعمد في إرسالها , ويضيف خزعل بأن مبارك قد شدد على ولده سالم بعدم الاشتراك في القتال والتباطؤ في الزحف , وذلك كي يمكن العجمان من الاستيلاء على الإحساء , ومع ذلك فقد وصلت القوات الكويتية بقيادة سالم بن مبارك الصباح كما وصلت مساعدات بريطانية من أسلحة وذخائر عن طريق البحرين ويذكر الوكيل السياسي البريطاني بأن الشيخ مبارك أمر ابنه سالم بعدم تقديم أي مساعدة فعالة للملك عبد العزيز إلا بعد أن يتيقن من موافقته على الخطة العسكرية التي أبرمها مبارك , والتي تتلخص في أن يقوم ابن سعود بإخلاء مدينة الهفوف من أكثرية قواته ثم الانتقال بعد ذلك إلى الهجوم على العجمان من ثلاثة جهات في نفس الوقت , ووقعت مناوشات بين الفريقين ووجد العجمان أن موقفهم اصبح ضعيفا وقرروا الانسحاب وتوجه أكثرهم شمالاً , وتبعهم جيش الملك عبد العزيز بقيادة الأمير محمد بن عبد الرحمن والشيخ سالم الصباح , وعندما أدركتهم تلك القوات تبدل موقف الشيخ سالم الصباح وامتنع عن مهاجمة العجمان وقد اختلفت المصادر في أسباب امتناع الشيخ سالم الصباح عن مهاجمة العجمان إلى ما يلي:

يرى ابن عبيد والريحاني والشيخ خزعل أن سبب امتناع سالم عن مهاجمة العجمان هو تلقيه أوامر سابقة من أبيه الشيخ مبارك تنص على أن مهمته هي الاشتراك في القتال إلا في حالة هزيمة العجمان فإنه يجب عليه في تلك الحالة أن يقف إلى جانب العجمان , ويشير الريحاني إلى أن خطة مبارك من أول الأمر كانت تهدف إلى الاستيلاء على الإحساء من خلال الوقيعة بين الملك عبد العزيز والعجمان ثم التحالف بعد ذلك مع العجمان بعد إضعاف الفريقين , ويضيف كشك بأن هذه كانت في الأصل خطة بريطانية تهدف إلى إضعاف الملك عبد العزيز وتجعله أقل تشدداً في مفاوضات المعاهدة .
يختلف السعدون في الرأي السابق وينفي أن يكون امتناع الشيخ سالم عن مهاجمة العجمان كان بسبب خطة تآمرية , بل يورد أدلة من الوثائق البريطانية تثبت أن أثناء تواجد الشيخ سالم بن مبارك على رأس قواته لملاحقة العجمان جاءه اثنان من زعماء العجمان وهما ضيدان بن خالد بن حثلين أمير قبيلة العجمان وخميس بن منيخر شيخ فخذ آل سفران , وتفاوضا معه بشان الصلح ولم يستطيع سالم أن يبت في الأمر , وأخبرهم أن من يملك صلاحية هذا الشأن هو أبوه في الكويت أو ابن سعود نفسه , حينها توجه ضيدان ابن حثلين إلى الكويت ليفاوض الشيخ مبارك , بينما ظل خميس بن منخير بانتظار النتيجة التي كانت قبول مبارك لجوء العجمان إلى الكويت بشرط تمسكهم بالسلوك الحسن مستقبلاً , وتوجه العجمان بعد ذلك إلى الكويت واستقبلهم الشيخ مبارك استقبالاً لائقاً في 12 محرم 1334هـ /20 نوفمبر 1915م , وهذا الرأي يتفق مع ما ذكره الشيخ عبد الله الدامر نقلاً عن سالم بن أوذين أمير آل مصري . وكان ممن ذهب برفقة ضيدان بن حثلين لمقابلة الشيخ مبارك بشأن الصلح .


لم يكن الملك عبد العزيز راضياً عن لجوء العجمان إلى الكويت , وتشير الوثائق البريطانية إلى أن الملك عبد العزيز طلب من الشيخ مبارك عدم التعامل مع العجمان , ولكن رسوله وصل إلى الكويت في 14 محرم 1334 هـ / 22 نوفمبر 1915م , بعد إتمام الاتفاق بين العجمان ومبارك . ويشير الوكيل السياسي البريطاني إلى أن الوعود التي قطعها العجمان والمتضمنة تعهداً بالخضوع لسلطة ابن سعود تمثل خطوة إيجابية من جانبهم , ولذلك سيجد ابن سعود فترة أن عون العجمان له في المستقبل خير له من استئصال شأفة الشيخين (ضيدان بن حثلين و خميس بن منخير) اللذين سبقا أن حارباه .

موقف العجمان بعد معركة السبلة ومعركة العيينه :
لم يشارك العجمان في معركة السبلة وقام زعيمهم ضيدان بن حثلين بإرسال خطابا للملك عبد العزيز يوضح فيه حقيقة موقف وصدق ولائه وأنه مع موافقته لكل من الدويش وابن بجاد على إزالة ما بني على الحدود العراقية من مخافر إلا انه يخالفها في قتالهما لقوات الملك ، ويتبرأ من أعمالهما ضد أبناء البلد . وقد ذكر المؤرخون العثيمين إن الملك عبد العزيز قد كتب إليه خطاباً لم يوضح فيه رضاه أو غضبه عن موقف ضيدان ، ولكن ديكسون يشير إلى خلاف ذلك وأن الملك عبد العزيز قد أرسل إلى ضيدان رسالة بعد معركة السبلة يعبر فيها عن سروره ورضاه لموقف شيخ العجمان ، ومقدراً له ولاءه .

وقد دارت بين الأمير عبد الله بن جلوي وضيدان بن حثلين مراسلات تبين موقف العجمان وولائهم لعبد العزيز كما تفيد تأكيدات عبد الله بن جلوي وطمأنته لضيدان بن حثلين والعجمان ، بعد ذلك بعث إليهم الأمير عبد الله بن جلوى ابنه فهد على رأس قوة عسكرية بينها فئة من العجمان يتزعمهم نايف بن محمد بن حثلين (أبا الكلاب) ، فقدمت باتجاه الصرار مقر إقامة ضيدان بن حثلين ومن معه من العجمان ونزلت في العيينه بالقرب من الصرار ، وأرسل فهد بن جلوي خطاباً إلى ضيدان يطلب منه القدوم إليه ، فكتب ضيدان يستفسر عن سبب قدومه ويدعوه إلى النزول عنده في الصرار للقيام بحقوق ضيافته والتباحث معه فيما يريد ، وقد اعتذر الأمير فهد بن جلوي عن قبول هذه الدعوة وأخبره أنه لا يريد إلا الخير ، وأرسل له خطابا فيه عهد بالأمان ، يحمله زنيفر بن حويله ، وقد استشار ضيدان كبار جماعته فأشار عليه بعضهم بعدم الذهاب وأشار عليه البعض الآخر بالذهاب إلى مخيم فهد وخاصة إن العجمان لم ينقضوا العهد مع الملك عبد العزيز وقد يفسر عدم ذهابه بأنه إظهار للمخالفة واستقر رأيهم على أن يخرج معه بعض مرافقيه ، وأن ينتظر بقية العجمان ويكونوا على استعداد فإذا لم يرجع إليهم أو جاءهم رسول منه قبل العشاء فعليهم القيام بنجدته .

وعند قدوم ضيدان بن حثلين على فهد رحب به الأخير ودعاهم لتناول القهوة ثم بعد ذلك طلب منهم الذهاب إلى خيمة أخرى لتناول القهوة عند أحد أقاربه ، وعندما استقروا في تلك الخيمة أمر فهد بتقييدهم بالحديد ، فقيدوا ووضعوا تحت حراسة مشددة . وقد صعب الأمر على ضيدان واستفسر عن سبب تقييده وأسره فأخبره فهد بأنه يريد منه أن يسلم إليه السلاح والخيل والجيش ، فاحتج ضيدان على تصرف فهد ودعاه إلى فك أسره وتعهد له بتسليم ما يريد ، وقد أصر فهد على عدم فك أسره فأخبره ضيدان أن العجمان سيهجمون على المخيم إذا لم يعد إليهم قبل صلاة العشاء .

وهناك روايتان فيما حدث بعد ذلك , فيذكر العثيمين نقلاً عن الذكير ان ضيدان استأذنه فهد في إرسال أحد رفاقه إلى العجمان في الصرار أو الكتابة إليهم لئلا يقوموا بالهجوم فأذن له بالكتابة ولكن الرسالة لم تصل . بينما يذكر عبد الله الدامر وديكسون إلى أن فهد رفض طلب ضيدان ، وتمكن أحد رفاق ضيدان من الهرب ووصل إلى العجمان واخبرهم بأسر ضيدان وتقييده بالحديد .

وقد توقع فهد إن العجمان سيهجمون على المخيم ولكنه لم يكترث للأمر كثيراً لأن ميزان القوى في صالحه وأمر مملوكه ابن منصور ومن معه ممن يحرسون ضيدان ورفاقه بقتل الأسرى فور سماعهم صوت بنادق العجمان .

وعندما علم العجمان بخبر أسر ضيدان ، اتجهوا في ذلك المساء بقيادة حزام بن راكان بن حثلين إلى مخيم فهد بن عبد الله بن جلوي بهدف إنقاذ أميرهم ضيدان وهاجموا السرية وبدأوا إطلاق النار ، فقام ابن منصور ومن معه من الحرس بذبح ضيدان ورفاقه وهم مكبلين في الحديد ، واشتد القتال بين الطرفين وعندما علم نايف بن حثلين بقتل ضيدان انضم إلى بقية العجمان وحمي وطيس المعركة وقتل فهد بن جلوي وهزمت قواته من الحاضرة خاصة .

ويشير العثيمين إلى إن الأمير فهدا اخطأ التصرف بقبضه ، ثم قتله ضيدان بن حثلين مما ترتب عليه كارثة كان يمكن تجنبها لولا ذلك الخطأ .

وقد ذكر الأمير خالد بن محمد بن حثيلين إن الملك عبد العزيز أخبره فيما بعد بأنه لم يكن راضياً عن تصرف فهد بن جلوي ولم يأمر على الإطلاق بقتل ضيدان .

وقد أشار ديكسون أيضاً إلى إن الملك عبد العزيز لم يكن على علم من أول الأمر بتصرف فهد .

بعد هذه المعركة اجتمعت قيادة العجمان في الصرار بزعامة نايف بن حثلين (أبا الكلاب) وتناقشوا في الأمر واقترح خالد بن محمد بن حثلين أن يذهب إلى الملك عبد العزيز ويخبره بحقيقة الأمر ، ولكن، اغلب العجمان رفضوا هذه الفكرة خوفاً من أن يقع في أيدي عبد الله بن جلوي قبل وصوله إلى الملك عبد العزيز .

وقرر الجميع التوجه شمالاً إلى جهة حدود الكويت والعراق ونزلوا الوفراء . وقد أخبر خالد بن محمد بن حثلين الملك عبد العزيز فيما بعد بما دار بين العجمان من مناقشات قبل رحيلهم إلى الشمال ، وعن نيته في الاتجاه إليه للمفاوضات فأخبره الملك عبد العزيز بأنه لو فعل لما انتهت الأمور إلى ما وصلت إليه .

وكان لما حدث بين العجمان وفهد بن جلوي أثره في تجديد تمرد الإخوان المعارضين ، فبعد قدوم العجمان إلى الشمال التقى بهم مشهور بن فرحان من أمراء عنزة ووصلتهم فئات من عتيبة بقيادة مقعد الدهينة ولحق بهم فيصل الدويش ومن معه من مطير عندما سلم من جراحه وتجمعت جميع القبائل في الشمال وبدأت ملامح التمرد في الظهور مرة أخرى .

وقام العجمان بغارات داخل الحدود السعودية تحت قيادة الأمير خالد بن محمد بن حثلين ومحمد بن سالم بن أوذين وغيرهم . وقد ذكر كشك بان الملك عبد العزيز أرسل رسالة إلى الحكومة البريطانية , يبين لها بعض هذه الاعتداءات وقيام سلطة العراق وحكومة الكويت بمساعدة هؤلاء المتمردين على السلطة .

وبنهاية تلك الأحداث انطوت آخر صفحات قتال القبائل بين بعضها البعض أو تمردها على السلطة وبدأت فترة جديدة أصبحت فيها القبائل مؤسسات اجتماعية لها دورها الرائد في المساهمة في عملية التنمية الوطنية .


واتمنى اني وفقت في نقل التاريخ

وتاريخ العجمان لاتسعه الكتب والاوراق :)

ولي عوده ومعي تاريخ الفارس راكان بن حثلين


تقبلو اجمل تحيه

منقول