"اقضوا عليهم..أبيدوهم..أفنوهم جميعا"، هكذا علت أصوات آلية متهدجة تصدرها مجموعة لا تقل عن مائة من الروبوتات التي كانت تتحرك هنا وهناك، بين أناس مذهولين متسائلين عن الخطب. لم يكن ذلك مشهدا من فيلم خيالي، بل واقعا في معرض خاص بعنوان "العلم والخيال العلمي"، ضمه "مركز الفضاء الوطني" في مدينة "ليستر" التي تبعد عن لندن إلى الشمال نحو ساعتين , واستمر المعرض حتى نهاية عام 2008م , ويهدف إلى تشجيع الناس على معرفة المزيد عن الأفكار الأصلية التي كانت في معظمها من وحي الخيال قبل أن تتجسد في تقنيات وأجهزة علمية في شتى ميادين الحياة والمعرفة والتطبيقات من عسكرية وترفيهية وصناعية وغيرها.

الخيال العلمي جزء من حياتنا اليومية

قد يشكك البعض في تأثير الأفلام الخيالية والأدب في العلم الحديث، لكن حسب المرء أن يعلم أن كثيرا من إنجازات العلم الكثيرة والتي باتت جزءا عاديا من حياتنا اليومية إنما كانت من وحي أفلام الخيال العلمي وأدبه.
"مات ستيفن" مصمم المؤثرات والخدع الخاصة والذي له أيضا أكثر من مائة كتاب ومقال في مختلف فروع العلوم، يبرز حقيقة أن أجهزة الهاتف المحمول التي نستعملها كل يوم إنما كانت من وحي الخيال العلمي، وهي تشبه جهاز الاتصال الذي استخدم في سلسلة "ستار تريك" التلفزيونية الخيالية.
وهذا صحيح، فمخترع الهاتف المحمول د. "مارتن كوبر" يعزو اختراعه إلى جهاز "تي إس للاتصالات" في "ستار تريك".
ولا شك أن أجهزة كثيرة أخرى مثل جهاز تحديد المواقع عبر الأقمار الاصطناعية وتحديد الحركة عبر شرائح موجات الراديو وغيرها إنما ظهرت أولا في الخيال العلمي.
ويردف "مات ستيفن" بالقول إن السفر عبر الفضاء والأقمار الاصطناعية كانا من بنات أفكار الخيال العلمي قبل أن يصبحا حقيقة علمية في عصرنا.
فالسفر عبر الفضاء لطالما كان من المواضيع المفضلة لمؤلفي الخيال العلمي منذ القدم.
لوقيانوس السوري ( أو لوسيان )- وهو رجل أصله من سورية وعاش في مدينة روما في القرن الثاني للميلاد وكان خطيبا متجولا ومحاميا وكتب بالإغريقية كتابا أطلق عليه اسم قصة حقيقية - يعتبر أول من كتب محاولة قصصية لطرح فكرة السفر إلى القمر في التاريخ.
ومن قصة "سومينيون" للألماني "يوهان كبلر" ( في القرن 17 م) إلى "من الأرض إلى القمر" للفرنسي "جول فيرن" (القرن 19 م) و غيرها من قصص الإنكليزي " جي إتش ويلز" (القرنان 19-20) نجد أن فكرة السفر إلى الفضاء كانت مطروحة بشكل كبير في الخيال العلمي قبل أن ينطلق أول كائن إلى الفضاء مع الكلبة لايكا التي أطلقها الروس عام 1954 ، وأول رائد فضاء في مدار حول الأرض، وهو يوري غاغارين عام 1961.
وحتى منظومة الأقمار الاصطناعية التي نعتمد عليها الآن في اتصالاتنا وبث قنواتنا التلفزيونية بل والتجسس على بعضنا، إنما اقترحها أول مرة كاتب الخيال العلمي البريطاني الراحل ( 2008) "آرثر سي كلارك" عام 1945 قبل إطلاق أول قمر اصطناعي (سبوتنيك الروسي ) عام 1957.

انتقال الأجسام

"مات ستيفن" يبرز أفكارا أخرى كانت من وحي الخيال العلمي مثل التيليبورتيشن (انتقال الجسم المادي من مكان إلى آخر كانتقال الإشعاع) وطاقية الإخفاء.
فالأولى التي ظهرت في أفلام كثيرة مثل "الذبابة" و"ستار تريك" " والمبيد (Terminator) وغيرها باتت حقيقة علمية الآن، وإن كان العلماء يؤكدون أنهم نجحوا في ذلك لكن على مستوى نقل ذرة من مكان إلى آخر، ويأملون في زيادة حجم الأشياء التي يمكن نقلها بهذه الطريقة لتصل إلى حجم الإنسان ..أو الدبابة مثلا.
والثانية وهي فكرة الاختفاء بارتداء رداء خاص (ظهرت مثلا في فيلم "هاري بوتر" ومعروفة في تراثنا العربي منذ القدم) أيضا نجح العلم في تحقيقها مؤخرا بجعل ساتر خاص حول جسم ما بحيث لا يرتد عنه شعاع الضوء فلا يظهر لعين الناظر، وإن كان ذلك يطبق على أجسام صغيرة حتى الآن.

أيقونات أفلام الخيال العلمي

ضم المعرض العديد من الألبسة والنماذج التي استعملها بالفعل أبطال عدد من أفلام الخيال العلمي الشهيرة مثل الكائنات الفضائية ولقاءات من النوع الثالث ، ومسلسل ستار تريك، وحرب النجوم ، وغزاة المريخ ، وحتى بذلة "سوبرمان" ورداء "الرجل الوطواط " وغيرها.
وبعض تلك المعروضات كلفته كانت بمئات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية حتى أنه وضع خلف قضبان معدنية لحمايته من أيدي العابثين.
وضم المعرض كذلك ورشات تظهر للزائرين كيفية إعداد الأقنعة والقوالب الخاصة بشخصيات الخيال العلمي المختلفة (مثل الكائنات الفضائية..الخ)، وكذلك طاولات تفاعلية تحفز الصغار والكبار على تعلم ما يمكن رؤيته واستخدامه في محطة قمرية أو مريخية على سبيل المثال.
الخيال العلمي سواء كان قائما على حقائق علمية ثابتة أو على صور جامحة مبالغ فيها غالبا ما يثير قضايا تتعلق بوجود مخلوقات أخرى في الكون عدا الإنسان، وتمكن الروبوتات في يوم من الأيام من السيطرة على عالم الإنسان والتحكم فيه، والقدرة على قهر الشيخوخة وإطالة عمر الإنسان بتقنية التجنيد وغيرها من وسائل بل وحتى تبدل الإنسان شكلا ولونا وقدرة ذكائية على مر القرون التالية.
وكما كان الخيال العلمي سباقا في ثورة المعلومات والثورة الذرية وسباق الفضاء فلا شك أنه سيواكب ثورات علمية أخرى لا تقل خطورة مثل ثورتي الهندسة الوراثية والذكاء الاصطناعي وحتى تقنية "النانو" والمصغرات.
وحسبنا أن ننتظر ما سيخبئه لنا المستقبل من مفاجآت.