طرق القوافل وأثرها في تقوية العلاقات الثقافية بين ليبيا وجيرانها في جنوب الصحراء

جبريل أبو بكر علي

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [سورة الحجرات، الآية: 13] صدق الله العظيم.
لما كان الإنسان في حاجة إلى أخيه الإنسان في كل متطلبات الحياة فإن ذلك حتم عليه بطبيعة الحال أن يتصل بأخيه الإنسان من أجل تلبية حاجاته، التي لا يتم تحقيقها إلا بالتواصل سواء كان هذا التواصل اقتصاديا أم اجتماعيًا أم سياسيًا.
ولكي نمهد لموضوع ندوة التواصل الثقافي بين أقطار المغرب، يجدر بنا أن نتناول الجانب الاقتصادي الذي سيقودنا في تسلسل حتى نصل إلى التواصل الثقافي، ومبررنا للبدء بالجانب الاقتصادي يرجع لأهميته القصوى في وجود الإنسان نفسه إذ بدونه لا يستطيع التفكير في شؤون أخرى.
فلو تفكرنا في أهم العناصر المقوية للعلاقات بين دول الصحراء الإسلامية وشمال إفريقية فسوف نجد التجارة عبر الصحراء عن طريق القوافل التجارية، ولمعرفة أثر هذه القوافل ودورها العظيم، علينا أن نتطرق لبعض المعلومات الجغرافية التي توضح لنا الصورة، محددين باختصار حدود السودان الأوسط، ومساحته وسكانه، ونشاطه البشري الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
فالمقصود بالسودان الأوسط هو ذلك الشريط الممتد من الشرق أي من النيل إلى جزر الأخضر، وتتكون حدوده كالآتي:
1- من التبستي إلى حوض فيتوري مرورًا ببوركروا، ومنخفض القرابي من الناحية الشرقية. وممتد من حوض فيتوري إلى نهر النيجر ماراً بوسط شاري ومنعطف نهر غونغالا .
ومرتفعات جوس من الناحية الجنوبية. ومن نهر النيجر إلى مرتفعات آير من الناحية الغربية، ومن مرتفعات آير إلى تبستي بتي ني ري وكوار من الناحية الشمالية.
فقد تناولت كتب التاريخ السودان فقسمته إلى .
السودان الشرقي - والسودان الأوسط – والسودان الغربي، مبينة حدود كل منهم
وفيما يتعلق بالطقس فنجده حارا جافا في الصحرا، وتسود أعشاب السافنا معظم المنطقة الجنوبية، ونجد المنطقة الصحراوية الشمالية جافة قليلة الأشجار والأعشاب.
ونتيجة لعاملي الطقس والنبات، فإن النشاط السكاني محدد تبعًا لذلك. نتيجة لعوامل الطبيعة والبيئة، ولذلك نجد أن سكان المنطقة الصحراوية يزالون مهنة الرعي والتجارة، أما سكان المنطقة الجنوبية فيمارسون حرفة الزراعة وقليلا من الرعي والتنجيم أي استخراج المعادن من باطن الأرض، وكذلك يمارسون حرفة التجارة.
إن تعدد الظروف الطبيعية واختلافها من منطقة لأخرى أدى إلى تعدد الحرف التي يمارسها الناس، لذا فبديهي أن تحتاج كل فئة إلى أخرى في التبادل التجاري، ثم إن هاذ التبادل بطبيعة الحال يؤدي إلى خلق مجتمعات صغيرة تجمعها مصلحة ما، لذا فإن الحفاظ على بقاء هذه المصلحة يتطلب وضع قوانين تعتني بسيرها وممارستها، ثم أدى هذا الأمر إلى إنشاء وحدات سياسية حديثة، ومن ثم كسر الحواجز بين الشعوب للالتحام، والاتصال فيما بينهما. ثم أدى ذلك كله إلى تشجيع التبادل التجاري لكي يتم النمو الاقتصادي والاجتماعي وبالتالي الثقافي في المنطقة.
ولأن التطور سنة الحياة فن الأمر لم يقتصر فقط على الزراعة بل ظهرت أنشطة أخرى، وظهرت فئات صناعية جديدة؛ مثل الحدادين، والفخارين، وصانعي الحبال، النساجين، إضافة إلى الزراعة والمعادن، وتمخض عن ذلك نوع من الاكتفاء الذاتي مع الإنتاج الاستهلاكي.
وهذه الفائدة أدت إلى فتح باب التبادل التجاري الذي كان بمستوي المقايضة المحلية البسيط، ونتج عن ذلك إنشاء أسواق محلية لإتاحة الفرصة للمنتجين لعرض منتجاتهم للبيع والشراء، نتيجة لذلك أصبح السوق ملتقي للتعاون والتعارف وتبادل الخبرات بين أهل المنطقة.
ثم توسعت رقعة هذه الأسواق فأصبحت إقليمية بدلا من كونها محلية، وشيئا فشيئا أصبح التواصل ليس فقط اقتصاديًا بل ثقافيا، فاستطاع الدعاة المسلمون الدعوة إلى الله أثناء ممارستهم للتجارة، واستطاعوا
بإصرارهم وحكمتهم أن يجعلوا في هذه الأسواق منابر تنطلق عبرها أصواتهم إلى صدور المسلمين، وإتاحة المجال أمام أكبر قدر من تجار المنطقة للنهل من منبع الإسلام الفياض خلال ممارستهم للتجارة، ليعودوا لأهلهم بالمال وخير الدنيا والآخرة ألا وهو الإسلام العظيم.
فكان التجار يقطعون بقوافلهم مسافات طويلة تقطع الصحراء في الجنوب إلى الشمال والعكس، وكان نتيجة ذلك أن ظهرت التيارات التجارية الآتية :
1- التيار الشرقي الغربي لمدن برنو إلى عواصم الهوسا التجارية.
2- التيار الغربي الشرقي الرابطيين مدن النيجر وغنزا في شمال غانا ومنها إلى مدن الهوسا التجارية.
3- التيار الجنوبي الشمالي لدول يوربا إلى مناطق الهوسا.
4- التيار الشمالي الجنوبي للواحات الصحراوية وكوار، مارا بالآير إلى بلاد الهوسا، وكان أصحاب البضائع يقومون بتنظيم وسائل النقل في القوافل، فينظمون لكل بضاعة نوعا خاصا من الوسائل لضمان وصولها إلى العواصم التجارية في ذلك الوقت وجنوب السودان الأوسط مثل كينا، كنو، صكتو، برن نفز غامو، كوكوان برن يوري أغادين بلما، تفدا، مع مدن أخرى في غرب إفريقية مثل (بيدا، جفى، تمبكتو، غاوو، سلفا، ويبغو). وهكذا أصبحت البضائع تجوب الصحراء من الشمال إلى الجنوب والعكس، حيث شكلت الواحات محطات تجميع، وتوزيع القوافل التجارية، ومن أشهر القائمن بهذه النشاطات التجارية في منطقة السودان الغربي والأوسط، جماعات، الهواسا، الجولا، السراكولي، وكمبرمبري بري، أما الطرق المتبعة من الشمال إلى الجنوب فكانت على النحو التالي:
1- الأولى: تبدأ من تونس، وغدامس، غات، إلى أغاديز.
2- الثانية: تبدأ من طرابلس، مرزق، زويلات إلى فزان وبلما، أوكوار ثم برن نفزرغمو.
أما أشهر البضائع التي كان يتبادلها الجانبان فهي: الملح، الصوف، الحرير، الغضبان، الحديد، السيوف، الأقمشة، التمر، مقابل الذهب، العبيد، النحاس، سن الفيل، ريش النعام، الصمغ العربي الجلود، القطن ألخ ...
وأشهر القائمين بهذا العمل هم سادات العرب الميسورين وأغنياء البربر.
نظام القوافل: يعتبر نظام القوافل من أقدم وأشهر الوسائل في نقل البضائع لمسافات حتى العصر الحديث، ولم يفت القائمين بهذه المهمة أن يضعوا لها قوانين خاصة بها تنظمها للاستفادة منها. أما نظامها فيتكون من الآتي :
1- عدد الجمال: قد يصل عدد الجمال أحيانا إلى العشرين أو الثلاثين جملا.
2- يقوم رجال خبراء بتهيئة القوافل وإعداد المسافرين نفسيا نسبة لقساوة الطريق وبعد المسافة. قد تصل مدة السفر في بعض الأوقات إلى ثلاثة أشهر أو أكثر، وقد تكون الرحلة مرتين في السنة أو أكثر حسب متطلبات الأسواق التي تسير وتعتمد على العرض والطلب.
3- تعتبر قافلة الربيع من أكبر القوافل التي تسير في السنة، حيث يجتمع تحت قيادتها أكبر عدد من المشاركين، لأنها تقطع أطول المسافات من الشمال إلى الجنوب والعكس.
4- الكشاف: يختار رئيس القافلة رجلا من أهل الصحراء يتمتع بخبرة ومعرفة شاملة بأماكن الآبار ويكون قادرًا على معرفة الطريق وسط الرمال الكثيفة، وقد يكون هذا الرجل من جماعة الطوارق ساكني المنطقة، لهذا فإن قائد القافلة يعتمد اعتمادًا كبيرًا على الكشاف لضمان وصول البضائع لأصحابها أو وكلائها، فقد كان للتجارة مندوبون ووكلاء في العواصم التجارية من كلا الطرفي، لتسهيل أمور التجارة في منطقة السودان الأوس .

وعلى سبيل المثال قد نجد لبعض العائلات الغدامسية مندوبين أو ممثلين لتجارتهم في العواصم التجارية جنوب الصحراء مثل:
1- عائلة التاش التي لها ممثلين لتجارتها في بلدان الهوسا، وتمبكتو وبعض مدن الواحات.
2- عائلة محمد الغات الذي أرسل أولاده إلى المدن التجارية المختلفة، فكان ابنه الأول في طرابلس والثاني في غدامس، والسبعة الباقون في بلاد السودان الأوسط والغربي، وربما يصل الأمر أحيانا إلى أن يعين أحد تجار الشمال مندوبا له في العواصم التجارية في الجنوب، ونتج عن ذلك عدد زواجات بين تجار الشمال والسودانيات والعكس.
وخير مثال لذلك نجده في عائلة مالم يارو (موسى عبد الله)، وأصل هذه القصة يتلخص في أن فقيها تقيا من أصل قبيلة كانوري من منطقة كولمباردو قد تزوج بفتاة كانت تخدم امرأة طارقية من أصل كل تفاري، وأنجب منها ابنًا اسمه موسى عبد الله المعروف بـ"مالم يارو"، وشرع هذا الشاب في ممارسة التجارة انطلاقا من علاقة الزواج مع الطارقية، ونجح نجاجحا ملوحظًا في تجارة التمر والغطرون، في كل من فاس وبلما حتى وصل في ذروة المجد والثراء في التجارة، بحيث وصل عدد جماله إلى خمسمائة جمل، وذلك في سنة 1905. كما تزوج بنت أخيه رئيس جالية الغدامسيين في كانو نيجريا، وهكذا فإن أمثال هذه العلاقات الزوجية أدت إلى زيادة الثقة والأمان والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي بين دول الشمال ودول الجنوب. وأصبحت الصحراء بطولها وعرضها وقساوتها معبرا آمنا وجسرًا قويا تعبره القوافل التجارية الشمالية والجنوبية، إلا أننا نلاحظ في الآونة الأخيرة بعض التغييرات التي حصلت في خط سير البضائع من الجنوب إلى محطات تجميع البضائع في الوحات، وذلك نتيجة لعدم الأمن، خاصة في القرن التاسع عشر الميلادي، حين بدأت قبائل أولاد سليمان قطع الطريق، وبدأ الهجوم على القوافل من بعض الشباب، مما حملها إلى تغيير خط سيرها إلى الآير بدلا من مدن برنو إلى الواحات، وهكذا أصبحت لدينا الآن صلات تجارية وثقافية وسياسية بين دول الجنوب الصحراوي (من جمهورية مالي إلى جمهورية تشاد).
الصلات التجارية والثقافية والسياسية بين دول جنوب الصحراء الإسلامية
(سنغي- دولة كانم الإسلامية كثينا كانوا صكنو ألخ) (ودول شمال إفريقيا)
تشير الكتب التاريخية إلى عراقة الصلات وتطورها عبر العصور بين دول جنوب الصحراء الإسلامية التي قامت في السودان الغربي والأوسط، وبين دول شمال إفريقية، ولم تقف الصحراء عائقا دون التواصل، بل شكلت جسرا ربط بين الطرفين وعبر هذا الجسر تدفقت الهجرات المتبادلة، حيث نمت وازدهرت الصلات التجارية والثقافية والسياسية والاجتماعية.
الصلات التجارية بين دول السودان الأوسط، وخاصة دول كانم برنو الإسلاية ودول شمال إفريقية دخلت هذه الدول في علاقات تجارية قوية مع بلدان شمال إفريقية ، وكانت العلاقة مع ليبيا أكثر من غيرها لوقوعها في ملتقي طرق القوافل التجارية بين دول جنوب الصحراء وشمال إفريقيا، حيث شكلت الواحات محطات تجميع وتوزيع للقوافل التجارية، كما اقترنت الصحراء الكبرى بنشاط التجارة، حيث سهل إقليم فزان عملية الاتصال والتبادل التجاري، وأحكم الصلة بين القوافل التجارية القادمة من كانم برنو وأغاديز، وبلما إلى شمال إفريقية، أو الوافدة من الشمال إلى هذه المدن وغيرها من بلاد السودان، وانتشرت في الصحراء مراكز تجارية هامة منها زويلة التي كانت مركزًا للبضاعة القادمة من طرابلس وجادو، والأخيرة أتاحت الفرصة لأهالي جبل نفوسة (الجبل الغربي الآن) للارتباط بهذه المدن تجاريا بواسطة القوافل التي كانت تسير من طرابلس إلى كاوار عبر مدينة جادو، وكان من تأثيرات هذه الصلات أن أهل نفوسة كانوا يجيدون التحدث بلغة كانم إلى جانب العربية، وهذا ما أكده أبو عبيد البكري، ويدعم هذا التفسير استقرار جماعات من كانم في أجنادن الواقعة أسفل جادوا في طريق القوافل التجارية، ومن المراكز التجارية الهامة، مرزق، التي كانت مركزًا رئيسيا لإنعاش القوافل التجارية المتبادلة مع بلاد كانم برنوا النيجر وطرابلس وغدامس، والأخيرة كانت مركزًا رئيسيًا هامًا تتفرع منه طرق عديدة، وتتجمع فيه القوافل التجارية الوافدة من طرابلس إلى تونس والجزائر، وتتجه إلى هذه المدن آنفة الذكر وغيرها من بلاد السودان – ونشطت الحركة التجارية بين مدن جنوب الصحراء وبلدان شمال إفريقية عبر الصحراء، عبر طرق أهمها طريق فزان الممتد إلى بلما . وكانم، وهو طريق قديم جدًا، وكان له دور في توطيد الصلات التجارية بين قبائل الجرميين بفزان وشعوب جنوب الصحراء، وكان همزة
الوصل بين سواحل البحر المتوسط وأرص السودان . وطريق آخر يربط بين زويلة وكانم مرورا بالقطرون وتيجو ومدامة حيث يخترق واحة كوار وأجادم، ليصل إلى نجيمي على بحيرة تشاد في كانم، وهذا الطريق يعتبر أهم وأشهر طريق تجاري عبر الصحراء من القرن التاسع الميلادي حتى القرن التاسع عشرة، ويعتبر نقطة ارتكاز اعتمدت عليها دول هذه المنطقة ، حيث يربطها عبر الصحراء بشمال إفريقية طرابلس والمغرب – مرورًا بواحة كاوار وفزان وزويلة، وهو طريق قديم كان يستعمل للتجارة منذ العصور القديمة، وقد حرص أمراء كانم برنو على التحكم به، وتم لهم تأمين هذا الطريق في النصف الأول من القرن السابع الهجري – الثاني عشر الميلادي- حينما بلغت كانم برنو أوجها اتساعا وازدهارًا في عهد ماي دونمة وباليما الذي بسط نفوذه على فزان شمالا ، ومعروف أن ملوك كانم برنوا كانوا يسيطرون على طريق القوافل المتجهة شمالا إلى فزان والبحر المتوسط، وشرقا إلى حوض النيل عندما كانت قوية ، وكانت القوافل التجارية تؤدي أتاوات عن حق العبور أو الدخول في المراكز التجارية في شمال إفريقية . وكانت ابضائع الصادرة من كانم ومدن جنوب الصحراء تستبدل بتلك البضائع الواردة من طرابلس والمغرب ويتم الاستبدال بالمقايضة.
ومن أهم السلع التي صدرتها هذه المدن الجلود، وريش النعام والمنسوجات المجسدة أي المصبوغات بالجسد وهو الزعفران ، والعاج ، إضافة إلى سلع أخرى صدرت بكميات قليلة لا يعبأ بقيمتها مثل جلود النمور والحصائر المصنوعة من القش، والصمغ العربي ، واستوردت الأقمشة والثياب الخاصة بشمال إفريقية ، والخيول الجيدة، والخرز، والورق، والخردوات التي يجمعها تجار طرابلس من أماكن مختلفة.
الصلات الثقافية
بدأ الاتصال الثقافي المباشر بين دولة كانم برنو الإسلامية وشمال إفريقية مع دخول الإسلام إلى منطقة السودان الأوسط، ويرجع تاريخ دخول الإسلام في كانم برنو إلى سنة 46 هـ، وهي السنة التي وصلت فيها طلائع المسلمين بقيادة عقبة بن نافع إلى إقليم كاوار عبر الطريق الذي يربط كانم برنو بساحل طرابلس مباشرة، وكان هذا الطريق يمثل قناة تتدفق من خلالها التأثيرات الإسلامية المبكرة إلى أول من جنوب الصحراء وإلى مناطق أخرى في السودان الأوسط .
وابتداء من القرن الثاني عشر الميلادي قام حكام وأهل كانم برنو بأداء فريضة لاحج، وقد أتاحت رحلة الحج فرصة فريدة لتأسيس علاقات فكرية وثقافية بين كانم برنو وبين شمال إفريقية . وكثرت وفود كانم برنو إلى مصر في طريقهم إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، وقد أسفر هذا عن تأسي مدرسة في فسطاط مصر، عرفت باسم مدرسة ابن رشيق، لتدريس المذهب المالكي، و تعليم الطلاب الوافدين إلى مصر من كانو برنو وتدريبهم، فضلا عن استخدامها نزلا للوفود أو الحجيج، فقد ذكر القميوي والقلقشندي أن أهل كانم بنوا مدرسة في الفسطاط ينزل بها وفودهم .
ويذكر المقريزي في سرده للمعلومات عن هذه المدرسة قائلا: مدرسة ابن رشيق بخط حمام الريس من مدينة مصر كان الكانم من طوائف التكرور لما دخلوا مصر فيسنة بضع وأربعين وستمائة قاصدين الحج، دفعوا للقاضي علم الدين بن رشيق مالا بناها به ودرس بها، فعرفت بها وصار لها فيلا بلاد التكرور سمعة عظيمة، فكانوا يبعثون إليها في أغلب السنين مالا . وق دكان بالأزهر نزل مخص لسكني طلاب العلم من كانم برنو يعرف باسم رواق آل برنو أو رواق البرنووي، وقد قام ببنائه والاعتناء بشؤونه ورعايته أمراء كانم برنو. وقد تفوقت مراكز الثقافة الإسلامية في كانم برنو في بلاد السودان في هذه الفترة على وجه الخصوص. كما نشأـ في هذه الفترة علاقات ثقافية مع طرابلس ودول المغرب .
وابتداء من القرن الثالث عشر الميلادي تدفق طلاب إفريقية بالاستمرار إلى الشمال الإفريقي لطلب العلم، وقد أثارت الجامعات والمكتبات في القاهرة وتونس وفاس، شغف علماء وطلاب إفريقية الذين توافدوا بصفة خاصة إلى كل من جامعة الجامع الأزهر بمصر، وجامعة القرويين بفاس التي كانت في ذلك الوقت مركز التعليم العالمي في المغرب، ومن ثم برز عدد من أولئك الطلاب في مختلف مجالات المعرفة، وفي هذه الفترة بذل حكام برنو جهودًا خاصة .
القوافل التجارية
هذا النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي وجد لغرض اقتصادي واجتماعي بحت أتاح لنا فرصة التواصل الثقافي بين دول شمال إفريقية الإسلامية ودول جنوب الصحراء.
نعم لقد سهل لقوافل العلماء والكتب عبور هذا البحر الرملي، الذي لولا هذه القوافل كان يعتبر سدًا منيعًا يعجز الفرد عن عبوره، ولكن مع القوافل أصبح جسرًا يعبر عليه التجار مع بضائعهم والعلماء والكتب والتيارات الفكرية من الشمال إلى الجنوب والعكس، وأصبحت الأسواق منبرًا من منابر الدعاة تنطلق منها أصواتهم إلى صدور الرجال، ومكانًا لبيع المخطوطات، وأصبح التاجر هو الداعي وبيده اليمني مصحفه واليسري سلعته. ويصاحب العلماء ويسهل لهم الإقامة لوجه الله ليسهل لهم بلوغ مرامهم وهو نشر الإسلام وثقافته عن طريق التعليم والوعظ والإرشاد والفتاوى، كي يستقيم بالشريعة الإسلامية في المنطقة التي تهيمن عليها الدينات الوثنية، وليضئ لهم طريق الهدى، ونتج عن ذلك وجود الإسلام والثقافة الإسلامية عن طريق التواصل الثقافي لا عن طريق السيف كما هو في الشمال.
وتدفعني هذه النتائج الطيبة المثمرة بأن أوجه الدعوة إلى جميع المؤسسات العلمية الإسلامية بأخذ هذه المبادرة قدرة حسنة لاستمرار هذه الندوات من هنا وهناك، لإحياء روابط الصلة الموجودة بين شعوب الأمة الإسلامية، لمواجهة هذا العدو المشترك.
منقول