اول مدينة مسيحية في بلاد الرافدين


كشكر أوكسكر أقدم مدينة مسيحية في العراق، لعل معناها في الآرامية عامل الزرع. بنيت علىشاطئ دجلة في مجراه القديم جنوب العراق قرب الكوت، وتبعد عن بغداد زهاء 170كم. وكانت تقع شرق مدينة واسط التي بناها والي العراق الحجاج بن يوسف الثقفي في مفتتحالقرن الثامن الميلادي "702م".
من المرجح ان كشكر كانت مدينة آرامية بنيت قبلالميلاد على أنقاض بلدة "خسرو سابور" وكانت تسمى "بيت كشكراتي" (1)، وتقع وسط كورةأرمايي في زمن الفرثيين التي تشمل حوض دجلة الأدنى من أطراف النهروان الى البحر "الخليج العربي". اشتهرت المدينة بمنتجاتها من الحبوب كالحنطة والشعير والأرز، كماذاع صيتها بتربية الدجاج والبط وورد ثناء على دجاجها في كتاب الحيوانللجاحظ.
وكانت كشكر أول مدينة في بلاد الرافدين تجاوبت مع دعوة مار ماري تلميذالرسول مار أدي، حيث اهتدى أهلها الى المسيحية قبل ان يهتدي أهل ساليق "سلوقية" والذي كان قد وجد في بادئ الأمر صعوبة في هدايتها بعكس كشكر. وكان أهلها ذوي علموأدب وذكاء وحذاقة لم يبلغ اليها غيرهم، وكان مار ماري قد وجد في كشكر معبدا يسجدفيه للشيطان ما يشبه النسر وفيه تمثال يدعى "نيشار". وقد صنع مار ماري في كشكرأعمال بر وقد شفى بعض المرضى حتى ان كاهن المعبد نبذ الأصنام، واقتدى به كثيرون منأهل المدينة فاعتنقوا عبادة الله الحي. وبنى مار ماري لهم كنيسة قبل ان ينحدر الىديرقوني وميشان ثم يعود الى ساليق.
ونظرا لأهمية كشكر التي أصبحت مركزا مشعاللمسيحية فقد اعتبر مطران كشكر نائبا للمطران أو لرئيس الأساقفة في بلاد الرافدينوذلك عند شغور كرسي ساليق- طيسفون مركز رئيس الأساقفة. وحدث انه في فترة خلافية بينالأساقفة شغل كرسي الجاثليق مطران كشكر لفترة ثلاث سنوات "567-570م" (2).
كان قد أقيمت في كشكر عدة أديرة منها الدير الذي أنشأه الراهب "راموي" وكذلك الدير الذي أقامه "ققرا" قرب نهر دجلة بجوار "جيلتا" و"غائن". كما أسس مارسركيس دودا ديرا "بجبل" كشكر. وفي أيام مار سركيس كان حنينا الحديابي قد ذهب الىنصيبين حين جهد في الدعوة والهداية بين الوثنيين، وألف كتبا عدة وتاريخا كنسيا ثمقدم كشكر وهناك قضى نحبه (3).
ومن الشخصيات في مدينة كشكر في القرن الثالثالميلادي "القديس" ارخيلاوس الكشكري الذي كان أسقفا لكشكر ولعله أول أسقف لها. صنفبالسريانية كتابا يحتوي على جدل جرى بينه وبين الهرطوقي "مانسس" الذي كان قد أنكرعلى المسيح صحة ناسوته، وأسم الكتاب "ضد مانسس" (4).
وكان مار يوحنا الذي أصله منمدينة كشكر ايضا ذهب وأنشأ ديرا في "جبل" اوروك
(5).
كان الملك الساساني اردشير الأول "224-241" قد احتل كشكر ودمرها انتقاما لمسيحيتها وصمودها ضد هجومه الكاسح علىالعراق، لكن بعد حين عاد العديد من سكانها، وازدهرت من جديد. وكان "تومرصا من كشكر" قد عقدت له رياسة الأساقفة في طيسفون وكان يطوف المدن ويعمر البيع أي الكنائس، وكانيعرف غوامض الناس. وبقي في هذه الرئاسة مدة سبع سنين ودفن في طيسفون (6).
وكان مار سبريشوع قد امره الملك الفارسي بالذهاب والبقاء في مسقط رأسهعلى أثر خلاف بينه وبين المطارنة الآخرين. فلما ذهب الى كشكر عمد الى بناء دير فيالموضع المعروف باسم "بزاد نهرواثا" وقام بهداية الكثيرين الى المسيحية هناك (7). وفي القرن السادس الميلادي برز الراهب ابراهيم الكبير الكشكري الذي تضلع في علومالدين وقصد الحيرة ثم الاسكندرية وسيناء وتعلم هناك أنظمة الرهبان والزهاد ثم عاد. ومن مصنفاته "سفرة في قوانين الحياة النسكية" طبعه المستشرق شابو في روما سنة 1898 .
وفي زمن خسرو "كسرى" الأول انوشروان "531-579" وُسعت كورة كشكر وأضيفعليها كورة بهر سير وكورة هرمزدخره وكورة ميسان وجُعلت طسوجين هما خسروسابوروالزندورد، فلما مصّر المسلمون الأمصار فرقوها. واشتهرت كشكر بزكاء الأرض وجودةالغلات، وكانت مدينة كبيرة وواسعة خراجها في زمن الاسلام اثنى عشر ألف مثقال كمايذكر ياقوت الحموي، وكان أهلها لا يريدون الخروج سيما وان معظمهم مسيحيون يدفعونالجزية، لكن الشاعر عمران بن حطان سخر من أهلها قائلا: (
فلو بعثنا بعض اليهود عليهم
يؤمهم أو بعض منتنصرا
لقالوا رضينا إن أقمت عطاءنا
وأجريت ما قُدسن من برّكسكرا
سميت كشكر في زمن الاسلام بكسكر، وكانت المدينة آنذاك تتألف من أربعةمناطق هي الزندورد شمالا والثرثور والجوزار والأستان. وكان يجري فيها ثلاثة جداولمن الفرات هي صلة وبرقة والريّان. دعا المسلمون أهلها بالنبط أي الآراميين أوالسريان. وقد ورد ان الحجاج منع بقاء النبط في واسط. وقد نقل الحجاج الى قصره فيواسط أبوابا من بعض عمارات أديرة كسكر مثل دير سباط ودير مار سرجسان "فضج أهلالمدينة المسيحيين وقالوا قد أمنا على مدننا وأموالنا، فلم يلتفت اليهم"
(9).
أهملت مدينة كشكر، ثم تداعت في القرن الحادي عشر للميلاد، ولم يبق منهاالآن غير آثارها التي لم يجر التنقيب عنها



الموضوع منقول من احد المنتديات راق لي فنقلته اليكم احبائي الكرام مع الف شكر