لا يختلف احد في ان الهجرة النبوية الشريفة كانت في شهر ربيع الاول وقد وصل رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه واله وسلم الى يثرب « حيث انها سميت بالمدينة المنورة بعد ان دخلها صلى الله عليه واله وسلم ونورها بنور وجهه الكريم » بعد ان مكث في قباء ايام قليلة بانتظار التحاق الامام علي عليه السلام ، والذي تأخر لتأدية بعض الامانات المودعة لدى النبي صلى الله عليه واله وسلم الى اصحابها من اهل مكة وغيرهم ، واحضر معه ركب الفواطم المهاجرات معه .
ولكن ما نجده الان هو ان السنة الهجرية تبدأ من شهر محرم الحرام من كل عام ، واصبح شهر ربيع الاول هو الشهر الثالث في السنة الهجرية بعد ان كان هو الشهر الاول منها . فلماذا هذا التغيير في بداية السنة الهجرية ؟ ، ومن هو اول من ارخ بالسنة الهجرية ؟ . ولماذا تم التأريخ من هجرة النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم ولم يتم من ولادته مثلاُ ، او من بداية الدعوة والمبعث النبوي الشريف وبداية الرسالة الاسلامية الخالدة ؟ .
ومن يسأل عن بداية التدوين بالتاريخ الهجري يجد الاجابة بانه بدأ في ايام الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وبمشورة من بعض الصحابة « قيل انها من الامام علي عليه السلام وقيل انها من قبل عثمان بن عفان وقيل انها من قبل عمر بن الخطاب نفسه ، وقيل من غيرهم » باعتماد التأريخ من الهجرة النبوية الشريفة واعتمادها كتاريخ يسير عليه المسلمون في الدولة الاسلامية . وقد اعتمد في السنة الهجرية ان يكون شهر محرم الحرام هو الشهر الاول منها ، ومنه تكون بداية السنة الهجرية لكل عام .
بداية التأريخ عند العرب
سارت العرب على عدة مراحل في تأريخهم للاحداث ، فأول من ارخ هم بنو اسماعيل النبي على نبينا واله وعليه السلام ، فأرخوا بنار نبي الله ابراهيم عليه وعلى نبينا واله الصلاة والسلام ، ثم أرخوا من بنيان الكعبة المشرفة ، ثم ارخوا من موت كعب بن لؤي ، ثم أرخوا من حادثة الفيل .
وفي كل تلك السنوات التي مضت من تأريخ العرب باختلاف الاحداث التي ارخوا بها كانت بداية السنة عندهم هي من شهر محرم الحرام ، وذلك لكونه من الاشهر الحرم الاربعة التي يحرم فيها القتال لدى العرب ويأمن الناس بعضهم البعض ، ولكونه الشهر الاول بعد انقضاء موسم الحج وختام مواسم الاسواق عندهم التي تكثر في ايام الحج ورجوع الناس الى ديارهم .
بداية التدوين بالتأريخ الهجري
يقول ابن كثير : « قال الواقد ي: وفي ربيع الأول من هذه السنه - أعني سنة عشرة أو سبع عشرة أو ثمان عشرة - كتب عمر بن الخطاب التاريخ وهو أول من كتبه. قلت : قد ذكرنا سببه في سيرة عمر......الخ.
وأشار علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرون أن يؤرخ من هجرته إلى المدينه لظهروه لكل أحد فإنه أظهر من المولد والمبعث فاستحسن عمر ذلك والصحابه ، فامر عمر : أن يؤرخ من هجرة الرسول صلى الله عليه واله وسلم .
وروي عن سعيد بن المسيب : انه قال: جمع عمر الناس فسألهم : من أي يوم يكتب التاريخ ؟ فقال علي بن أبي طالب عليه السلام : من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وترك أرض الشرك، ففعله عمر رضي الله عنه قال الحاكم : هذا صحيح الإسناد » كتاب « البدايه والنهايه » ج 7.
ونقل الأصمعي قوله : « إنما أرخوا من ربيع الأول شهر الهجره » « الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ » .
جاء فيما كتبه الامام علي عليه السلام على عهد أهل نجران العباره التاليه : « وكتب عبد الله بن أبي رافع لعشر خلون من جمادى الآخره سنة سبع وثلاثين منذ ولج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم المدينه » كتاب « الخراج » لأبي يوسف ، وكتاب « جمهرة رسائل العرب » ج 1.
ويؤكد اسماعيل بن عباد المعروف بـ « الصاحب » ان التدوين بالسنة الهجرية كان موجود قبل ايام الخليفة الثاني ، وان السنة كانت تبدأ من شهر ربيع الاول ، وذلك بقوله : « وماحدث في زمن عمر هو فقط : جعل مبدا السنه شهر محرم بدلا من ربيع الأول » كتاب « عنوان المعارف وذكر الخلائف » .
الامام علي عليه السلام لم يشر بـ محرم بداية للسنة
لا يمكن القبول بقول ان الامام علي عليه السلام هو من اشار بان تكون بداية السنة الهجرية من شهر محرم الحرام وذلك لاسباب، نذكر منها :
1- ما تقدم من كلام ابن كثير أن الامام علي عليه السلام هو من أشار أن يبدؤوا التاريخ من يوم هاجر النبي صلى الله عليه واله وسلم وترك أرض الشرك ، وكما اشرنا في البداية ان هذا الامر معروف ولا يختلف عليه احد .
2- الكتب العديده التي كتبها الإمام علي عليه السلام بخط يده للرسول صلى الله عليه واله وسلم وتم فيها التأريخ . والتي منها كتاب النبي صلى الله عليه واله وسلم بخطه عليه السلام الى اهل نجران ، فقد نقل السيوطي عن مجموعة بخط ابن القماح ذكر فيها : « أن ابن الصلاح قال : ذكر أبو طاهر، محقد بن محمش الزيادي في تاريخ الشروط : أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أرخ بالهجره حين كتب الكتاب لنصارى نجران وأمر عليا عليه السلام أن يكتب فيه : انه كتب لخمس من الهجره. قال : فالمؤرخ بهذا إذن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعمر تبعه في ذلك » كتاب «ا لشماريخ في علم التاريخ » للسيوطي .
هذا ينفي نفيا قطعيا ان امام الحق والرشد والهدى علي بن أبي طالب عليه السلام قد أشار بترك ربيع الاول بل كان من المصرين عليه فضلا عن انتفاء ابتداء التأريخ لعمر بن الخطاب لما ذكر من كتاب الامام علي عليه السلام لأهل نجران .
النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم هو أول من أرخ بالسنة الهجرية
يوجد الكثير من الأدله القطعيه في أن رسول الله كان اول من بدأ التأريخ الهجري وليس عمر هي :
1- ذكر ابن حجر في فتح الباري : « روى الزهري: من أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لما قدم المدينة مهاجرا أمر بالتاريخ ، فكتب في ربيع الأول » كتاب « فتح الباري » ج 7.
2- مارواه الحاكم وصححه عن عبد الله بن عباس ، انه قال : « كان التاريخ في السنة التي قدم فيها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم المدينه وفيها ولد عبد الله بن الزبير » كتاب « مستدرك الحاكم » ج 3 وصححه الحاكم على شرط مسلم.
3- قال السخاوي : « واما أول من أرخ التاريخ، فاختلف فيه، فروى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أنس، قال: كان التاريخ من مقدم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم المدينه . وكذا قال الأصمعي : إنما أرخوا من ربيع الأول شهر الهجره » كتاب « الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ » .
4- جزم اسحاق والكلبي بانه لما خرج الرسول صلى الله عليه واله وسلم من مكه كان في اليوم الأول من ربيع الأول وهو أول أيام هجرته وهو ما أشار به الامام علي عليه السلام في الرواية سابقا أن يكون المبتدأ في التأريخ يوم ترك الرسول صلى الله عليه واله وسلم أرض الشرك أو منذ ان هاجر ، اي أن الهجره كانت في ربيع الاول .
5- نقل السيوطي عن مجموعة بخط ابن القماح ذكر فيها : « أن ابن الصلاح قال: ذكر أبو طاهر، محقد بن محمش الزيادي في تاريخ الشروط : أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أرخ بالهجره حين كتب الكتاب لنصارى نجران وأمر عليا عليه السلام أن يكتب فيه : انه كتب لخمس من الهجره. قال : فالمؤرخ بهذا إذن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعمر تبعه في ذلك » كتاب « الشماريخ في علم التاريخ » للسيوطي .
فإذا أضفنا ما تقدم عن مالك والاصمعي ومارواه الزهري واستظهرناه من الامام علي عليه السلام : من أن أول السنه الإسلاميه كان ربيع الأول، فأننا سوف نطمئن إلى ان التدوين بالتاريخ الهجري كان قد وضع قبل زمان الخليفة الثاني الذي جعل أول السنه محرم بدلا من ربيع الاول « حسب ما ذكر الصاحب بن عباد » وهذا التغيير لا يعني انه أول من وضع التدوين به .
فالصحابه كانو يعدون الأشهر من هجرته صلى الله عليه واله وسلم الذي هو شهر ربيع الأول . فقد قيل ما سنده عن ابن عباس في تحويل القبله : « إنما صرفت القبلة في النصف من شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجره » البدايه والنهايه ج3 . فإذا طرحنا ثمانية عشر شهرا من شعبان في السنة الثانية للهجرة نصل إلى ربيع الأول بداية السنة الهجرية .
كل هذه الادلة الواضحة والصريحة كافية لتثبت بان التدوين والتأريخ بالسنة الهجرية هو النبي الاكرم محمد بن عبدالله صلى الله عليه واله وسلم ..
حال الشيعة مع بداية السنة الهجرية في شهر محرم
مما سبق قد تطرح بعض الاسئلة :
لماذا اعتمد التقويم الهجري بهذا الشكل؟ بان جعل محرم هو اول الشهور .
هل قصد فيه ان تبتدئ الشيعة عامها بحزن والم بذكرى فاجعة الطف الأليمة ؟
وهل كان الخليفة أو من اشار اليه له علم بهذه الفاجعة ؟
واذا قلنا انه نعم لهم علم بها لكون الرسول صلى الله عليه واله وسلم قد ذكرها واقام العزاء على الامام الحسين عليه السلام اكثر من مرة في حياته صلى الله عليه واله وسلم ..
فهل كان لهم العلم ايضا عن وقت مقتل الامام الحسين عليه السلام ؟ هل هو في محرم ام في غيره من الشهور ؟
وهل كان لهم العلم بان للحسين عليه السلام شيعة ومحبون يجددون العزاء كل عام ؟
قد يرى البعض بان هذا الشيء متعمد لتجديد احزان الشيعة مع تجدد كل عام . تم مراعاته عن قصد لطمس الفرحة من وجوه الشيعة وتنقيص فرحتهم بالعام الجديد عليهم ، وبدل من ان يفرحوا بالعام الجديد يتذكرو الامام الحسين عليه السلام وما جرى له لتنقلب افراحهم الى احزان . ويستمر الامر عليهم هكذا مع بجدد كل عام .
ولكن أرى ان وضع التأريخ الهجري بشهر محرم كأول الشهور يجعل حال الشيعة كحال المسلمون الاوائل منذ بداية الدعوة الاسلامية الى اكمالها بتنصيب الامام والخليفة من بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم .
فتبدأ السنة الهجرية بحزن وألم بذكرى فاجعة كربلاء الاليمة والتي تجسد بين طيات احداثها كل معاني التضحيات من اجل الاسلام من قبل الامام الحسين عليه السلام واصحابه المستشهدين بين يديه . وذلك كما بدأ النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم بمواجه بينه واتباعه القلة من المسلمين من جهة وبين كفار قريش وقوتهم وكثرة عددهم من جهة اخرى . وما واجه صلى الله عليه واله وسلم من أذى من قبل الكفار ، بالاضافة الى ما حصل مع بعض المسلمين من التعذيب والقتل .
وتختم - الشيعة - السنة الهجرية في نهاية شهر ذو الحجة بعيد الولاية وتنصيب الامام والخليفة من بعد الني صلى الله عليه واله وسلم ، كذلك نجد الدعوة الاسلامية تمت وختمت بنفس المناسبة عندما انزل الله تبارك وتعالى قو8له : ? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ? سورة المائدة اية 3 .
فالشيعة تعيش كل عام حياة الدعوة الاسلامية منذ بدايتها الى نهايتها مع النبي الاكd8م صلى الله عليه واله وسلم ، واله الكرام وذلك من خلال احيائها لجميع المناسبات الاسلامية على مر ايام السنة ، منذ ايام الحزن والالم العشر الاوائل من محرم الحرام ، الى ان تختم سنتها بسرور وبهجة باحتفالها بمناسبة عيد الغدير الاغر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- الاعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ - لشمس الدين السخاوي.
2- عنوان المعارف وذكر الخلائف - للصاحب بن عباد.
3- البداية والنهاية - لابن كثير.
4- فتح الباري شرح صحيح البخاري -لابن حجر العسقلاني.
5- مستدرك الحاكم.
6- الشماريخ في علم التاريخ - للسيوطي.
7- الخراج -لابي يوسف.
8- جمهرة رسائل العرب - احمد صفوت.

منقول موقع الكفيل