) إلا إن هذه البيعة أخذت على الناس على أنفسهم والواجب في هذا الأجراء الإخلاص للبيعة وتسمى هذه (إيمان البيعة) ([12]) مثل البراءة من الله ورسوله والله ورسوله منه بريئان والعتاق للمملوكين من ذكر وأنثى وإطلاقهم أحراراً في سبيل الله كذلك طلاق زوجاتهم طلاق الحرج وترك ما يملك من مال وعقار وزرع أو ضرع صدقة على المساكين ([13]) أما عن طريقة أخذ البيعة فقد تكون مباشرة ذلك باستخلاف من أخذت بيعتهم بحضور ولي العهد ثم يبادر الناس إلى مصافحته أو تقبيل يده بحضور رجال البيت العباسي الذين سيكونون أول المبايعين وحسب نسبهم كما حصل عندما بايعوا القائم بأمر الله وقبلوا يده([14]) وكان أول المبايعين من رجالات البيت العباسي الأمير حسن بن عيسى بن المقتدر لكبر سنه([15]) وتكون البيعة بإنابة من يتولى أمور الخليفة أو ولي العهد بأخذ البيعة من رجال الدولة ثم توجه شارات الخلافة، البردة، والقضيب والخاتم إلى ولي العهد في العاصمة بغداد كما حصل لولي العهد المستنصر بالله الذي كان عليه أرث الخلافة([16]) ويقوم ولاة الأقاليم بأخذ البيعة لولي العهد في إقليمه بعد أن يأتيهم كتاب الخليفة بذلك محدداً نصوص البيعة ومرسلاً لهم ممثلاً عنه([17]) وتتوجه الوفود من الأقاليم لتقديم البيعة في عاصمة الخلافة وتحمل معها تقديم التهنئة للخليفة وتقديم البيعة وإعلان الولاء والطاعة لولي العهد الجديد([18]) كما حصل عندما عين ولي العهد القائم وأرسل السلطان مسعود الغزنوي وفد لتقديم البيعة جاء فيه "أبايع سيدنا ومولانا عبد الله بن عبيد الله أبا جعفر الأمام القائم بأمر الله... طوعاً وأتباعاً ورضا واختيار واعتقاداًً وضماً وأسرار بصدق من نيتي وإخلاص من طويتي وصحة عقيدتي وثبات من عزيمتي"([19]) وهناك رسوم أخرى تعد من الترتيبات والإجراءات في أخذ البيعة وتثبيتها لولي العهد ومنها عقد الألوية وهي من رسوم عقد البيعة لولي العهد جعلوا (اللواء علامة العقد) ([20]) ويعقد لولي العهد لواءين أحداهما أسود وهو لواء العهد والأخر أبيض وهو لواء العمل أو الولاية([21]) إذا ما ضم إليه قسم من البلاد([22]) كما أضاف الصابئي لواء أخر لولي العهد وهو المذهب([23]) وبعد هذه الإجراءات يتسلم ولي العهد مهمته رسمياً كولي عهد ويعقد له أحياناً على بعض الأقاليم من قبل الخليفة وتمنح له الصلاحيات عن أدارة ومتابعة، وجباية أموالها وإصلاح نظامها وله الحق كذلك في تولية من ينوب عنه ومن ذلك عقد الناصر لولي عهده أدارة إقليم خوزستان([24]) . ونظراً لمكانة ولي العهد في الدولة العباسية التي تأتي بعد الخليفة من ناحية الأهمية، فأن مكان جلوسه يكون في دار الخلافة ، ويكون إلى اليمين للخليفة دائماً والباقون من أولاد الخليفة إلى اليسار هم ومن يحضرون مجلس الخليفة من الوزراء وبقية الحضور([25]) ومن الإجراءات الأخرى التي يحظى بها ولي العهد لتثبيته والدعاية له والبيعة له أن يخطب له بعد أسم الخليفة كما فعل الخليفة الناصر لدين الله حين فتحت القدس إذ ذكر أسم ولي العهد أبي نصر في ألخطبة بعد ذكر الخليفة([26]) إضافة إلى أن أسم ولي العهد يذكر على المنابر بعد الدعاء للخليفة بصفته ولي عهده وتكتب أسمائهم على الأعلام وفي الأمصار أن وكلت لهم أعمال هناك([27]) كما يذكر أسم ولي العهد على السكة ويكتب إيذانا وأعلاماً بأن فلان صار ولي العهد الرسمي للخليفة كما حدث للمسترشد حين كان ولياً لعهد أبيه المستظهر بالله حيث خطب له بولاية العهد ونقش أسمه على ألسكه([28]) ولقبه عمدة الدين([29]) وهذه كلها إجراءات تثبيت ولي العهد والبيعة له والرعاية والأعلام حتى يعرف الناس ولي العهد، ويدعون له على المنابر في العاصمة وأما في خارج العاصمة فيتعرفون عليه من خلال السكة فضلاً عن إرسال المندوبين لبيعة ولي العهد الجديد وقد ذكر أبن بسام عن تسلسل


([1])الماوردي،أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب:قوانين الو زاره وسياسة الملك، تحقيق، رضوان السيد، دار الطليعة للطباعة والنشر، ط1 (بيروت /1979) ص24؛ابن الأثير:الكامل، 8/195.

([2]) الماوردي:الأحكام ألسلطانيه، دار الكتب ألعلميه (بيروت /لا- ت)، ص6؛القلقشندي: مآثر الانافة، 1/32 – 39؛ توماس السير ارنولد: الخلافة، ترجمة جميل معلى، دار اليقظة (لا – م / لا – ت)، ص38، ومن أهم الشروط الواجب توفرها في ولي العهد فهي أن يكون من قريش، العدل، العلم سلامة الحواس، الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح والشجاعة (عليان، رشدي: الإسلام والخلافة، مطبعة دار السلام (بغداد / 1994) ص42؛ محل، طلب صبار: رسوم دار الخلافة في العصر العباسي الأول (132-247هـ) رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة إلى كلية الآداب جامعة صلاح الدين، لسنة 1989، ص 56).

([3]) الماوردي: الأحكام ألسلطانيه، ص6؛ أبويعلى: الأحكام ألسلطانيه، ص20-21.

([4]) القلقشندي: صبح الأعشى، 9/351- 352.

([5]) ابن الكازروني:مختصر، ص217.

([6]) الطبري:تاريخ ، 6/225.

([7]) ابن الأثير: الكامل، 9/175.

([8]) ابن الجوزي:المنتظم، 8/ 47- 58؛ابن الكازروني: مختصر ص202.

([9]) ابن الجوزي:المنتظم، 10/192، 233؛سبط ابن الجوزي:مرآة الزمان، ق1، 8/283.

([10]) محل:رسوم دار ألخلافه، ص64

([11]) الطبري:تاريخ، 6/276؛حمادة، محمد ماهر:الوثائق السياسية و الإدارية للعصور العباسيه المتتالية، مؤسسه الرسالة، (بيروت/1979) 3/ 100.

([12]) جاسم: ولاية العهد في العصر العباسي الأول، ص113.

([13]) الطبري:تاريخ، 6/77؛ حمادة: الوثائق، 3/101.

([14]) الفارقي: تاريخ، ص131؛ابن الجوزي:المنتظم، 8/58.

([15]) ابن العمراني:الأنباء، ص188؛ابن الجوزي:المنتظم، 8/58؛الذهبي:دول الإسلام، 1/252.

([16]) ابن الكازروني: مختصر، ص258-259.

([17]) الطبري: تاريخ، 6/235.

([18]) جاسم: ولاية العهد، ص114.

([19]) البيهقي، أبو الفضل: تاريخ البيهقي، ترجمة يحيى الخشاب وصادق، دار الطباعة ألحديثه (القاهره /لا-ت) ص320.

([20]) جاسم: ولاية العهد، ص114.

([21]) الطبري: تاريخ، 6/398.

([22]) محل: رسوم دار ألخلافه، ص70.

([23]) الصابئي: رسوم دار ألخلافه، 94.

([24]) معروف: مدخل في تاريخ الحضارة، ص29.

([25])مجهول:العيون والحدائق، ق4، 1/285.

([26]) ابن الدبيثي:ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد، تحقيق بشار عواد معروف، مطبعة دار السلام (بغداد/1974) 1/49؛ الأربلي:خلاصه، ص281؛ ابن الكازروني:مختصر، ص246.

([27]) ابن الأثير: الكامل، 8/195، حمادة: الوثائق، 3/88.

([28]) ابن العماد الحنبلي:شذرات، 4/87.

([29]) ابن الجوزي:المنتظم، 9/85.
__________________