عندما تأسس الحكم الوطني في العراق منذ سنة 1921، كان للكفاءة الموصلية مكانتها ومساهمتها في البناء المؤسساتي وفي مجال التشريع وسن القوانين، وذلك عبر نخب من الشخصيات التي أدت أدوارها بكل كفاءة واقتدار ففي المجال الصحي مثلاً يبرز لنا د. حنا خياط بوصفه أول وزير للصحة في العراق وله برنامجه الصحي المهم ومن الأهمية التعريف به وبأدواره في المجال الطبي والمهني وسعيه لنشر الثقافة والوعي الصحي في العراق .ة
ولد حنا خياط في الموصل 1884،وبعد تلقيه العلوم المدرسية ، تطلع نحو تحصيل العلوم في الخارج، حيث حصل على درجة البكلوريوس في العلوم والاداب من الجامعة الفرنسية في بيروت سنة 1903م، كما حصل على درجة الدبلوم في الطب من جامعتي باريس واسطنبول سنة 1908م وانتخب عضواً في الجمعية الطبية والجراحية في بروكسل. وحينما عاد الى الموصل انتخب اثناء الحرب العالمية الاولى نائب رئيس "جمعية الهلال الاحمر" في المدينة، وشغل منصب رئيس المستشفيات الملكية فيها خلال الفترة 1914-1919. وبين سنتي (1918-1920م) عين طبيباً في مدينة الموصل. وانتمى الى "النادي العلمي " فيها، وشارك بنشاطات فعالة ،وبخاصة في محاضراته التي القاها على الاعضاء.ة
وبعد تأسيس الحكم الوطني شغل منصب وزير الصحة سنة 1922م ويعد اول وزير للصحة في العراق، كما تولى رئاسة مديرية الصحة العامة للفترة (1922-1931)، فضلاً عن ممارسته منذ سنة 1926م تدريس الطب العربي في كليتي الحقوق والطب في بغداد وفي سنة 1931 م عين مديراً عاماً للخارجية ثم مفتشاً عاماً للصحة سنة 1933م ومديراً للمستشفى الملكي وعميداً للكلية الطبية الملكية سنة 1934م. وهو طبيب ماهر وكاتب مجيد له اثار طبية وكتابات في علم الاجتماع، وهو مؤرخ باحث ،وله معرفة واسعة في اللغات الاجنبية.ة
ويعد حنا خياط واحداً من المثقفين المستنيرين الذين امتلكوا فكراً اصلاحياً للحياة والمجتمع،وقد كان لتخصصه في الطب وثقافته الواسعة في احوال المجتمع الدور البالغ في تطور الامور الطبية بمدينة الموصل اثناء توليه منصب رئاسة المستشفيات الملكية، ويتضح ذلك فيما اعده من خطط اصلاحية لرفع كفاءة الجهاز الطبي فيها.ة
كذلك من خلال اوامره حينما نصب وزيراً للصحة في العراق .فضلاً عن مساهماته في حملات التوعية الصحية بما نشره في الصحف من مقالات صحفية رصينة تهدف الى النهوض بالواقع الصحي للبلد. ففي تقرير اجمالي عن الاحوال الصحية في الموصل منذ الاحتلال البريطاني لها حتى شهر سبتمبر 1919م، تحدث حنا خياط عن الاهمال في مرافق المدينة اثناء فترة السيطرة العثمانية وعزا اسباب التخلف الصحي الى اهمال السلطة في الوقت الذي كانت السلطة تعزو القصور في هذا الشان الى الاهالي ناكرين عليهم استعدادهم للترقي الصحي ،واردف خياط قائلاً :" ان الاسباب كلها عن الرجال الذين كانت بيدهم ازمة الادارة وقد رجحوا منفعتهم على مصلحة الرعية، فان التثبت الذي كان يقع من دائرة الصحة الى البلدية بشان التنظيفات كان يتخذ وسيلة لقضاء منافع شخصية. وكان يصرف المبلغ المخصص للتنظيفات وقدره (600) روبية لكل شهر في وجوه مجهولة ".ة
وبغية الاطلاع ميدانياً على الاوضاع الصحية في البلد واصلاحها قام الرجل بالذهاب مع المامورين الى دائرة البلدية وساهم في عملية التعجيل بتنظيف البلدة خلال مدة قصيرة ،وقد نجح في دفع البلدية لاجراء التنظيفات بواسطة المختارين وشكلت مزابل صغيرة في كل زقاق. ومن الاجراءات المتخذة هي قيام الادارة الصحية مباشرة بشؤون التنظيفات وانشاء المزابل وسد الخرابات وتعيين نقاط في احياء البلد مع ماموريها ومراقبة الاعمال والاشراف على بعض الحرف ثم اصلاح " المسلخ" ونقل اللحوم الى البلد وانتظام الكنس يومياً ورفع الاوساخ الى خارج البلد.ة
وقد تناول حنا خياط بالتحليل دراسة الاوضاع الاجتماعية للاهالي محاولاً الوقوف على اسباب التقهقر الاقتصادي والاضمحلال الاجتماعي .اذ قام بتوضيح وسائل ترقية الامم، ثم تعرض الى تشخيص اسباب الانحلال في العراق وعزاها الى سببين اثنين :الاول (اجتماعي ) بسبب ندرة المدارس المنتظمة والتي عملت على "اندثار الجنسية والعنصر واللسان فان هذا الخلل كان كجرثومة الوباء غرسها الدور السابق كيداً وعمداً فلم ينج منها سوى من كان معمماً وفقدان المحافل الادبية لتقاضي الشبيبة بها عن المجتمعات اللاهية" .اما السبب الاخر :فهو (سياسي) اذ اشار حنا خياط الى ان "العراق منذ حدوثه لم يكن له كما كان لسائر الامصار،حكومة خاصة به قائمة بداتها ". ودعا حنا خياط الى شحذ همم الرجال الذين اليهم تعول في المعضلات ومنهم تستنجد الاراء السليمة ازاء هذا البحر السياسي المتموج ،وختم حنا خياط اراءه بالقول: " ان اهل الرقي كما يعلم في اجتماع الكلمة والسعي وراء الضرورة قبل الكمال واجتماع الكلمة قائم في (نخبة الامة) ونخبة الامة في من ضحى غايته لوطنه، واما العدل فلا يقوم الا اذا اهتدى المرء بكمال حريته صراطاً مستقيماً فعرف نفسه وعرف حق اخيه واصاغ السمع لواجبه الوطني واعترف بحق دولته. " ة
وفي خطاب القاه حنا خياط بمناسبة افتتاح اعمال المستشفى الملكي في الموصل ،تناول موضوعات اجتماعية وصحية عديدة، اذ اشار الى اهمية الانسان في الوجود واكد ان البقاء من لوازم الوجود فالانسان من حيث انه موجود ترشده البداهة الى معرفة نواميس الطبيعة الضامنة لحفظه فتحفظ كيانه ومن حيث انه كائن مدني مكلف بحفظ نوعه تهديه القوة العاقلة الى الاحكام الادبية الكاملة فتحفظ نوعه، واشار ايضاً الى ان هذين الواجبين والمبداين معاً أي الذاتي والنوعي اللذين هما اساس كل العائلات فالملل والشعوب. كما تعرض حنا خياط الى اسباب كثرة الوفيات بين الاطفال وانتشار امراض التدرن وانتشار الحشرات المتنوعة في الدور والازقة وقلة النمو في سكان البلد نتيجة سوء الادارة. وعدم الاهتمام في الاصلاحات الطبية ،وبين الرجل بان الامراض الزهرية قبل الحرب العالمية الاولى كانت في البلاد قليلة جداً ولكن اتسع نطاقها اثناء الحرب، اما الاحوال المرضية العارضة كالجروح المتنوعة والتسمم والقتل فيشير الى انه سنة 1915م بلغ (الالف) شخص في حين انخفض هذا العدد كثيراً سنة 1919م حيث بلغ عدد المقتولين (9) والجرحى (60) ولم يذكر أي حالة تسمم .ة
وداب حنا خياط على نشر المقالات الارشادية في المواضيع الصحية التي تتناول طرق الوقاية من بعض الامراض السارية والتنبيه الى كيفية معالجتها ومكافحتها ،ففي تناوله لموضوع مرض الحمى التيفوئيدية، تطرق الى كيفية الاصابة بها وطرق علاجها ،واشار الى ان "الانتبيرين هو احسن واسطة لمقاومة الصداع اثناء الحمى التيفوئيدية ويقتضى اقتضاء اً تاماً ان تعطي " الكينين" واملاحها بالمقاييس المشروطة اثناء الحمى التيفوئيدية ." ة
وفي موضوع "بثرة العراق ومصير تداويها" اوضح حنا خياط ، ان بثرة العراق هي آفة اهلية معروفة عند العامة (بالاخت) وفي اصطلاح الاطباء (بالسنمنيوز) واشار الى ان هذه الافة تظهر على سطح الجلد وعلى القسم المكشوف منه وهي ذات طبيعة التهابية بطيئة السير مع الميل لاجراء تخريبات كلية او جزئية عمقاً ومساحة في الانسجة الجلدية المستوية عليها، ويعزو حنا خياط سبب البثرة الى عدم الاعتناء في النظافة الجلدية، وقسم ادوار نموها الى (4) اقسام واوضح اطوار كل دور. اما طريقة علاجها وتداويها فتحدث عن المالوف منها قائلاً :" ان نغسل البثرة غسلاً محكماً (بالالكتول) بحقن تحت البشرة وعلى قدر الامكان بين البثرة والجلد. وبمقدار من محلول (الايمسيتين) وحسب سعة البشرة ثم يكرر الاحتقان مرتين او ثلاثة في مدة اسبوعين."ة
وحينما تسلم حنا خياط وزارة الصحة ، اجتمع مع اطباء العاصمة وتباحث معهم في السبل الاصلاحية الكفيلة بتحقيق النهوض الصحي العام في القطر، واكد بان اساس العمران والدليل القاطع على المدنية الحقيقية هو المحافظة على الصحة والقضاء على الشوائب والاعراض المرضية ،وفي صدد حديثه عن منهاج الوزارة قال :" فمنهاجنا ايها السادة هو الاقدام على كل مايؤول الى تحسين الصحة العمومية واكثار النفوس واستئصال الامراض السارية والاجتماعية. فالبناء نعرفه وهو ترميم صحة العراقي ومحافظة الجنس في القوم العراقي ذلك القوم العريق في العنصر والشريف في المباديء والقريب في التطور. فعلينا ان نصلح مافسد ..ونستنفذ الوسع في اصلاح سوء تركيبه ونحاول تخفيف وطأة الامراض الاجتماعية .ة
كما تطرق حنا خياط الى ضرورة مشاركة الحكومة في الجهود الصحية المبذولة عن طريق ،تأسيس المستشفيات والمستوصفات والمخافر الصحية في سائر انحاء البلاد ،والحث الى استمالة الاهالي للتطبيق عن طريق المحاضرات والصحف وانشاء مجلة صحية .وختم كلامه بالمطالبة بتاسيس جمعية للاطباء للرفق بالمعلولين والفقراء .ة
وقد ذكره هاري سندرسن عدة مرات في مذكراته ووصفه بقوله
"كان الدكتور حنا خياط المدير العام للصحة، وهو مسيحي من اشهر الاطباء العراقيين في ذلك الوقت، فلقد امضى في الخدمة لدى الحكومة التركية عشرين سنة قبل ذلك الوقت، وكانت معلوماته عن المشاكل الصحية التي تواجه الحكومة فريدة في بابها، وحين احيل على التقاعد بعد عدة سنوات ،عين عضوا في مجلس الاعيان " .ة
لقد اجتمع حنا خياط مع الملك فيصل الاول في 22 تشرين الاول سنة 1922وتباحثا في الامور الصحية والاجتماعية ،وكان خياط قد اعد مشروعاً اصلاحياً لمدة 10 سنوات، قدمه الى الملك فيصل وشرع بتنفيذه منذ اول تشرين الثاني من العام نفسه حتى عام 1932. وقد ارتكز هذا المشروع على الاسس التالية .ة
ة1- ربط مختلف المصالح والدوائر الصحية والطبية بتشريع طبي خاص وموحد .ة
ة2- تأسيس تشكيلات صحية عصرية ثابتة تتماشى مع الادارة العامة ومقتضيات العصر .ة
ة3- تزويد دوائر الصحة بملاك ثابت من الاطباء الاختصاصيين والعاملين الماهرين في الصحة قدر الامكان.ة
ة4- تخصيص منشات صحية بابنية ملائمة كالمستشفيات والمستوصفات والمعاهد لتحل محل الابنية القديمة التي لم تكن تتلاءم ومقتضيات العصر الراهن .ة
ة5- تاسيس كلية طبية ملكية عراقية مع ملحقاتها كالمدارس الصحية والمعاهد والصيدلية والقبالة ودور التمريض ، لتخرج الكوادر الصحية المتخصصة ، لتحل محل الكوادر الاجنبية ة6- العمل على ايفاد الكوادر الوطنية الى الخارج وفق تدابير خاصة للتخصص في مختلف حقول الطب بارسالهم الى المعاهد الاجنبية مع استقدام الكوادر الاجنبية المتخصصة للاستفادة من كفاءتهم .ة
ة7- اتخاذ التدابير اللازمة للوقاية من الامراض المعدية والمزمنة عن طريق انشاء " مستشفيات " في بغداد والموصل والبصرة .ة
ة8- تامين الاشراف الصحي والاسعاف الفوري في المراكز الحيوية كدوائر السكك ودوائر المعارف وغيرها .ة
ة9- اتخاذ التدابير اللازمة لرفع الوعي الصحي في الريف والعمل على نشر المستوصفات والمراكز الصحية في القرى والارياف .ة
العمل على زيادة الوعي الاجتماعي والصحي فيما يخص قضايا السكن الصحي وتصفية مياه الشرب وتعميم طرق النظافة، وكيفية نقل الجنائز والاهتمام برعاية الامومة والطفولة، والعمل على مكافحة البغاء والتنبيه من مساوىء الامراض المعدية. ة






الدكتور حنا خياط


; ولد في مدينة الموصل سنة 1884.
; درس الابتدائية والمتوسطة في الموصل، وأكمل الثانوية العامة في بيروت 1903.
; نال الشهادة الطبية في الجامعة الفرنسية في بيروت سنة 1908.
; حصل على شهادة التخصص في الطب العدلي في جامعة باريس 1909.
; عاد الى الوطن مدينة الموصل وتقلد عدة وظائف طبية من سنة 1911-1921.
; طبابة بلدية وسجون الموصل، رئاسة المستشفى المركزي ومدير مستشفى الهلال الاحمر في الموصل.
; عين وزير للصحة في أول وزارة في العهد الملكي 1921 ولكن ألغيت الوزارة واستبدلت بمدير الصحة العامة وألحقت بوزارة الداخلية وبقي مديراً عاماً لها حتى 1931.
::عين مستشاراً للملك فيصل الأول عام 1925.
؛ عميد الكلية الطبية ومدير المستشفى الملكي 1934-1936.
؛; أستاذ للطب العدلي النظري في كلية الطب والحقوق.
; مدير عام للشؤون الاجتماعية.
; شارك في تأسيس الكلية الطبية في بغداد في 29/10/1927:; شارك في تأسيس مدرسة التمريض سنة 1933.
; عضو مؤسس في جمعية مكافحة السل في 1944.
; عضو فخري في المعهد الملكي البريطاني سنة 1942.
; منح وسام الرافدين من الدرجة الرابعة والثانية.
; وسام الامتياز من ألمانيا، ايطاليا ولبنان.
; كان من رواد مجالس الأب أنستانس الكرملي للأدب واللغة العربية.

منقوول