قصة امرأة زكريا 16/11/1429هـ
الحمدُ للهِ الذي أنزلَ آياتٍ بيناتٍ، وفصلها سورًا وآياتٍ، وصلى اللهُ وسلمَ على نبيِّ الْمَكْرُمَاتِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن تبعهم حتى المماتِ. أمّا بعدُ: أيّها النَّاسُ! اتقوا ربَّكم واشكروه، واعملوا بالقرآنِ وتدبروه، فقد جعلَهُ اللهُ سدًّا منيعًا لمواجهةِ فتنِ الشبهاتِ والشهواتِ. عبادَ اللهِ: مواصلة لسلسلة (قصص النساءِ في القرآنِ)،وكنا قد بدأنا الحديث بقصة أم البشر حواء عليها السلام، ثم أتبعناها بقصة امرأة نوح وامرأة لوط، ثم قصة امرأة عزيز مصر، ثم قصة ملكة سبأ بلقيس، وها نحن اليوم نتحدث عن امرأة أخرى ذكرت في القرآن، امرأة صالحة نص القرآن على صلاحها، هي امرأة عاقر، وزوجها كبير في السن، ومع ذلك لم ييأسا بل عَلما أن الله على كل شيء قدير، وأنه سبحانه إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، فألحت وزوجها بالدعاء لله، هي امرأة مباركة وأي بركة، فهي زوجة نبي، وأم نبي، بل قيل: وبنت نبي، وخالة نبي، إنها أم يحي نبي الله u، وزوجة نبي الله زكريا u، وقال القتبي: امرأة زكريا هي إيشاع بنت عمران، وقيل: أشياع،وعلى هذا القول يكون يحيى ابن خالة عيسى عليهما السلام على الحقيقة. فتكون أيضاً خالة نبي، وقيل: خالة مريم أم عيسى عليهما السلام، وقد ورد الحديث عنها في أربعة مواضع من القرآن الكريم، في سورة آل عمران بعد ذكر قصة ولادة مريم وكفالة زكريا لها ورزق الله لها بغير حساب: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء*فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ*قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء}، وفي سورة مريم في قوله تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا} وفي قوله: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} وفي سورة الأنبياء في قوله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ*فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} فنقول وبالله التوفيق: لقد كان نبي الله زكريا فرداً لم يولد له ولد، وكان كفيلاً لمريم عليها السلام، وذلك بعد أن ولدتها أمها وقد نذرت ما في بطنها لله عز وجل: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} فلما رأى زكريا u صلاح مريم وعبادتها وانقطاعها في محرابها وهي الفتاة الصغيرة التي لم تتجاوز الستة عشر سنة، تاقت نفسه للذرية الصالحة، فصلاح الأولاد أعظم كنز للإنسان في حياته، وبعد مماته، أليسوا عمراً ثان لأبيهم، كما روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)) فأخذ زكريا u يدعو ربه{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء}مع أنه u كان كبيرًا في السن، وكانت امرأته عاقرًا، ولكنهما أيقنا يقينًا تامًّا وهما يريان أصناف الأرزاق عند مريم حتى أن فاكهة الصيف تأتيها بالشتاء، وفاكهة الشتاء بالصيف، يرى زكريا u ذلك وهو الذي تكفل بإطعامها، فمن الذي يأتي لها بهذا؟! فأيقن أن الله على كل شي قدير، وأنه لا يرد دعوة الداع إذا دعاه، وأن الله تعالى إذا قال للشيء كن فيكون، وفعلاً جاءه الفرج من الله القريب سبحانه كما في قوله:{فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} وكما في قوله:{يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا} ومع ذلك تعجب زكريا u فزوجته كانت عاقراً كما قال الله عنه:{قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء*قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ}، وكما في قوله:{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا*قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا*قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} فكانت امرأته عاقرًا، فأنعم الله عليها بالحمل، استجابة لدعائهما كما في قوله: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ*فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَه}، أيها المؤمنون: أتدرون لماذا استجاب الله دعاءهما، أتعلمون لماذا أصلح الله هذه المرأة وجعلها مباركة، ورزقها الذرية رغم عقمها، وكبر سن زوجها؟، لقد أُجيب على هذا في آخر الآية:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} ثلاثة أسباب للصلاح وللعطاء ولعلاج العقم: المسارعة بالخيرات، والدعاء رغبة ورهبة، وخشوع قلوبهم لله، فحملت إيشاع بنت عمران زوجة زكريا u، فيا من ابتلى بعدم الإنجاب، لا تكن في هم وضيق، فإن الله تعالى عليم خبير، فثق بعلمه وسلم الأمر له، وخذوا بالأسباب من مراجعات واستشارات، ولكن قبل طرق أبواب الأطباء، عليكم بقرع أبواب السماء، افعلوا كما فعل زكريا وزوجه، علما أن الله وحده هو المعطي والمانع، فانطَرَحَا يصليان بين يديه،وسارعا بفعل الخيرات إليه، وسألاه بذل وخشوع وانكسار،{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} فقل كما قال زكريا:{رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} وسلي أيتها المؤمنة ربك كما سأل زكريا {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}، فهيا أيها الزوجان احذرا اليأس وألحا على الله بالدعاء، وأعلنا الرضا واليقين، وأنتما ترددان: يا عالماً بكل نجوى، ويا سامعاً لكل شكوى، وثقا بقوله: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب}، فألحا فهو لدعوة المضطر مجيب، فإن لم يحصل لك بعد ذلك ما تريد، فثق يقيناً أنه أخره أو صرفه لخير أراده لك، فهو علام الغيوب، وأنتم للمستقبل تجهلون ولا تعلمون، فأحسنوا التوكل عليه، وثقوا بأنه لا يقضي للعبد قضاءاً إلا وله فيه خير، ولكنكم قوم تستعجلون، هذه حقيقة التوحيد ومعناه، بأن الأمر له وحده سبحانه،{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ*أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} فتأمل! جعل الناس أربعة أقسام، منهم من يعطيه البنات، ومنهم من يعطيه البنين، ومنهم من يعطيه من النوعين ذكورا وإناثا، ومنهم من يمنعه هذا وهذا، فيجعله عقيما لا نسل له ولا يولد له. وقيل: هذا أيضاً في الأنبياء عليهم السلام {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا} يعني: لوطا u لم يولد له ذكر، إنما ولد له ابنتان،{وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} يعني: إبراهيم u لم يولد له أنثى،{أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا}يعني: محمدًا e ولد له بنون وبنات،{وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا}يحيى وعيسى عليهما السلام لم يولد لهما، وهذا على وجه التمثيل، وإلا فالآية عامة في حق كافة الناس،{إِنَّهُ عَلِيمٌ} أي: بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام، {قَدِيرٌ} أي: على من يشاء، من تفاوت الناس في ذلك.وكل شيء بيد الله تعالى فهو مغير الأحوال، وما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال، فلا تحزن أخي، ولا تحزني أنتِ إن حصل تأخر في الذريـة، فهذا ابتلاء، و دفعه يكون بالتوبة وكثرة الاستغفار والمسارعة في الخيرات والعمل الصالح، مع خشوع القلب وتسليمه لله وقضائه، والصبر على ذلـك. قال الآلوسي: الله تعالى يقسم النعمة والبلاء كما شاء بحكمته تعالى البالغة لا كما شاء الإنسان بهواه، وفيه إشارة إلى أن إذاقة الرحمة ليست للفرح والبطر بل للشكر لموليها، وإصابة المحنة ليست للكفران والجزع بل للرجوع إلى مبليها؛ فالله تعالى له التصرّف فيهما بما يريد، لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع، لذلك نقول بعد كل صلاة: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، فهل نعقل ما نردد ونقول؟. وفي قوله: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا} قيل: من يُمنِ المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر، لأن الله تعالى بدأ هنا بالإناث، وعن بعض العرب: أن امرأته وضعت أنثى، فهجر البيت الذي فيه المرأة، فقالت:
مَا لأَبِي حَمْزَةَ لاَ يَأْتِينَا ... يَظَلُّ فِي الْبَيْتِ الَّذِي يَلِينَا
غَضْبَانُ أَنْ لاَ نَلِدَ الْبَنِينَا ... تـالله ما ذلك في أيدينا
لَيْسَ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا مَاشِينَا ... وَإِنَّمَا نَأْخُذُ مَا أُعْطِينَا
و نحن كالأرض للزارعينا ... ننبت ما قد زرعوه فينا
وفى الحديث الذي رواه البخاري:((مَنْ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ)) فما أروع البناتِ بعد هذا الحديث، والله تعالى صاحب القدرة التامة، والإِرادة النافذة. ولكن أكثر الناس لا يعقلون. ثم تدبروا قوله:{إِنَّهُمْ كَانُوا} لم يقل: إنه كان، يريد نبيَّ الله زكريا وامرأته، وهنا تظهر أهمية التعاون على الحق والخير، وتظهر أهمية اختيار الزوج الصالح والزوجة الصالحة، لأنهما سيكونان رفيقا العمر، وسيكونان جليسا بعضهما مدى الحياة، فإذا كانا صالحين سعد كل منهما وأسعد الآخر، أما إن كانا غير ذالك شقي كل منهما وأشقى معه الآخر. فهذا نبي الله زكريا e يأخذ بيد امرأته ويشجعها لكي:{يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} فمن صحب الصالحين ورافقهم سعد بهم، فكيف إذا كانت هذه الصحبة زواجاً وشراكة حياة بأكملها، والزوجة الصالحة من حسنة الدنيا لأن الله تعالى ذكر ذلك في القصة على سبيل الامتنان على زكريا u مما وهبه الله له في الدنيا، وكما قال e: ((الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)). وفي القصة من الدروس: موافقة إشياع بنت عمران لزوجها زكريا وطاعتها له على الخير، وربما أن هذا التعاون بينهما سبب لاستجابة دعوتهما في طلب الذرية والولد، وأيضاً تدبر قوله {فِي الْخَيْرَاتِ} ولم يقل:"إلى الخيرات" مما يؤكد أن الخير أصل فيهم، ومع ذلك تميزوا بمسارعتهم ومسابقتهم إليه، فيتضح هنا أهمية وأثر المسارعة في الخيرات، فإذا فُتح لك بابُ خيرٍ فسارع ولا تتردد، بل أسرع وأشرك معك من تحب من أهلك وإخوانك، فربما أُغلق هذا الباب دونك بسبب تمنعك وترددك في سرعة ولوجه، فاحذر نفسك الضعيفة وحيل الشيطان ولا تتردد، وتأمل قول الحق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فهيا أقبل قبل أن يحول الله بينك وبين قلبك، فتُمنع خيراً كثيراً كان قد فتح لك، فإن استطعت فلا تترك بابًا من أبواب الخير إلا ولك فيه سهم وإن قل، ثم بعدها ادع الله بما شئت خوفاً وطمعاً، وكن مخلصاً خاشعًا، وسترى عجباً، {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ*أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}، أقول ما تسمعون، واسأل الله أن يبارك لي ولكم في القرآن العظيم، وأن ينفعني وإياكم بما فيه من الآيات والقصص والذكر الحكيم. وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فاتقوا الله عباد الله، وتدبروا القرآن، وخذوا منه العظة والعبرة، واعملوا بما فيه، فهو دستور حياة ومنهج عمل.
تَدَبَّرْ كِتَابَ اللهِ ينفَعْكَ وَعْظُهُ ... ... فَإِنَّ كتابَ اللهِ أبلغُ واعِظِ
اللهم فقهنا بالدين وارزقنا تدبر القرآن العظيم، وأعنا على العمل به يا رب العالمين، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في غزة وفلسطين، وفي كل مكان يا رب العلمين، اللهم انتقم لهم من الظالمين، اللهم عليك باليهود المعتدين، اللهم اجعل الدائرة عليهم فزدهم خساراً في أموالهم، وشتت شملهم وأحوالهم، اللهم إنهم آذوا إخواننا وضيقوا عليهم، فضيق عليهم أرزاقهم، وفرق صفهم، وخالف بين كلمتهم، اللهم انصر جندك وكتابك وسنة نبيك، وأعل كلمة الحق، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويهدى فيه أهل المعصية. اللهم أصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لما تحبه وترضاه، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم ألف بين قلوبهم وقلوب رعيتهم، اللهم اشف مرضانا وجميع مرضى المسلمين، وارفع عنهم البلاء برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صل وسلم على النبي الأمين، وعلى آله وأصحابه وخلفائه الراشدين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.