لم يكن "الصفر" كعدد كما نعرفه الآن معروفاً فى البداية، فقد كان ينوب عنه فكرة الفضاء الفارغ وذلك هو التصور الأول للصفر. وقد استخدم البابليون فى القرن السابع قبل الميلاد ثلاثة خطاطيف ليُشروا بها إلى الصفر واستخدموا رمزاً يُشبه حرفا الواى "Y" فى اللغة الإنجليزيّة ليرمزوا به إلى العدد واحد ورمزاً آخر مثل " > " ليرمزوا به إلى العشرة. وقد أسهم الرياضيّون الإغريق بنصيب مُتميز فى معرفتنا بالأعداد والرياضة التى كانت داخلة فى الأساس تحت مظلة علم الهندسة. فقد ألّف اقليدس كتاباً أسماه " العناصر "، وهو كتاب هندسى فى الأصل، حيث استخدم فيه النظام الجديد للأعداد منذ أكثر من ألفىّ سنة. فى ذلك النظام الجديد تمّ استخدام الأبجديّة الأغريقيّة لترمز إلى ألأعداد، حيث استخدموا الحروف الأغريقيّة من 1إلى 9 ومن 10إلى 100 ومن 100 إلى 900. الحرف "ألفا Alpha "،A، يرمز الى الواحد، و"أيوتا Iota"، l، يرمز الى العشرة و"rho "،π، الى المائة. وقد أقل الأغريق فى التوزيع المكانىّ للأعداد ، فمثلاً، العدد 111 يكتب هكذا " Iaπ"، والعدد 1000 هكذا "A/ " والعدد 10000 هكذا "I/" " مستخدمين علامات تواضعوا عليها فيما بينهم. ويُعتقد أن الإغريق هم أول من أدخلوا الصفر برسمه المستعمل عندنا اليوم، وقيل فى سبب اختراعهم له أنّهم كانوا قوماً يعبدون آلهة النجوم والكواكب وأحبوا أن يُعبروا عن الخُواء الفضائى بصيغة رياضيّة ،فاخترعو ذلك الشكل البيضاوى الفارغ من الداخل تعبيراً عن الّلاشيئ. ويُقال أيضاً أنّهم رسموه على ذاك النحو لأنّهم استخلصوه من بداية الكلمة الأغريقية "ouden" التى تعنى لاشيئ أو "obol" وهى عملة لم تكن لها قيمة. استعمل الروما ن أيضاً الحروف ليدلو بها على الأعداد، فرمزوا للأعداد 1 ، 100،10، 1000 بالحروف I،M، x،Hعلى التوالى، ومن العجيب أنّ اللأغريق والرومان قد استعملو ما يشبه الآلة الحاسبة اليوم ، وهى لآلة بدائية يدوية،فى العمليات الحسابيّة كالقسمة والضرب والطرح والجمع دون أن يُدرجوا الصفر فى تلك العمليات. فلم يدلنا دليل مادىّ من كلا الحضارتين أنّهما استعملتا الصفر كعدد فى حسابهم: ويُعلّل البعض ذلك أنّ تصور الصفر كان صعب آنذاك لأنّه مفهوم مُجرد ]عبر عن الّلا شيئ.0


Aryabhata
حوالى سنة 650 بعد الميلاد أدخل الهنود الصفر فى حسابهم واستعملو القيمة الموضعيّة للأعداد حيث استُعمل الصفر ليُشير إلى الخانة الفارغة.وهناك دلائل تُشير الى أنّ الهنود قد استعملوا الصفر للدلالة الموضعيّة حوالى 200 بعد الميلاد، وفى سنة 500 ميلادية ابتكر الرياضى الهندى ارياباتاAryabhata نظام عددى لم يكن للصفر فيه موضع إلّا للإشارة إلى القيمة الخالية. وهناك دليل أيضاً أنّ النقطةdot قد استعملت فى المخطوطات الهنديّة القديمة لتُشير الى خلو الموضع فى مكان القيمة العددية، فلكى نُشير الى 100 على سبيل المثال ، فسوف يلى العدد 1 نقطتان. وف عام 628 ميلادية حاول الريلضىّ الهندىّ براهماجوبتاBrahmagupta فى كتابه معرفة العالمThe Opening of the Universe أن يؤسس قواعد الحساب مُدخلاً العدد "صفر" والاعداد السالبة فى حسابه، فقال أن أى عدد يُطرح من نفسه تكون الحاصل النهائى مساوياً صفر، وإضافة الصفر لعدد سالب دائماً تكون الحاصل صفر، وحاصل جمع صفر وعدد موجب يساوى دائماً صفر، وحاصل جمع صفر وصفر يساوى دائماً صفر ونتيجة ضرب صفر فى أىّ عدد يساوى صفر. ولكنّ براهماجوبتا قد أخطأ فى بعض القواعد المُتعلقة بالصفر ذاته من حيث القسمة عليه.


وبعد مُضى 500 عام من رحيل براهماجوبتا، ألّف باشكارا Bhaskara كتاباً ليُعمق فيه مفاهيم وقواعد سلفه براهماجوبتا ولكنّه أخطأ الآخر فيما يتعلق بحاصل القسمة على الصفر حيث اعتبرها مالانهاية وهذا خطأ. هذا غير أنّ باشكارا يرجع له الفضل فى تعريف خواص الصفر الحسابية الأُخرى مثل أنّ مُربع الصفر يساوى صفر والجذر التربيعىّ له يساوى صفر أيضاً وكذللك التكعيبىّ. وهكذا نرى دور الريضيّون الهنود فى تطوير العدد صفر.
انتقلت مُهمة ادراك خصائص العدد صفر من الهنود الى الرياضيّين المُسلمين والعرب الذين نقلوه بدورهم إلى أقاصى الغرب حيث انتشر الإسلام. فالخوارزمىّ الفارسى المُسلم وصّف أوضاع ومنزلة الأعداد فى النظام الهندىّ للقيمة الموضعيّة للأعداد، هذا إضافة الى كتاب ابن عذرا "كتاب الأعداد" الذى نشر ذلك النظام الهندى والكسور العشريّة الى أوروبا. ويُعتقد أنّ كلمة الصفر فى الأصل سنسكريتيّة أىّ لغة الهند القديمة، وهى مأخوذة من كلمة shunyam التى تُرجمت الى العربيّة بلفظة الصفر، والصفر يعنى الخُواء واللاشيء فى الأصل.ثم نقل الرياضىّ الأوربى فيبانيكسىFibonacci كلمة "الصفر" التى صُحفت على الألسن الأوربية لتصبح Zephirum وهى كلمة لاتينيّة صُحفت بدورها لتُصبح Cipher فى اللغة الإنجليزيّة وغيرها .ومن الكلمة "سيفر" ومعناها الشفرة والسر المُطلمس نعلم مدى صعوبة تصور ذلك الصفر أو الفراغ أو الّلا شيئ فهو بالنسبة لهم كان سراً غامضاً وشيئ عجيب. ثم أصبحت اللفظة الّلاتينية بعد مراحل التحوير الى "Zero" وهو ما عرف فى اللغات الأوروبية اليوم.


منقول