النسب لغة : نسب القرابات، وهو القرابة في الآباء خاصة, وجمعها أنساب والنسب اصطلاحا : هو علم يعرف منه أنساب الناس, والغرض منه الاحتراز عن الخطأ في نسب الأشخاص والاهتمام بالأنساب لم يكن وليد عصر خاص, أو قومية خاصة أو بلد خاص بل هو وليد حاجة الإنسان في عصوره الغابرة، إذ كانت الحاجة تدعو إلى الألفة والتعاطف, وكان تنازع البقاء يخلق أجواء محمومة يحتاج معها الإنسان إلى الحماية والقوة, فهو منيع بعشيرته, عزيز بأقوامه, لذلك اهتم بنسبه ووشائجه وحدبت عليه أصوله فضمته بين أحضانها, تحميه عادية الأبعدين, وترد عنه كيد المعتدين, وقد قص علينا الله تعالى حال نبيين من أنبيائه نعى أحدهما قوته لفقدان العشيرة فقال : ( لو أن لى بكم قوة أو اّوي إلى ركن شديد ) والثاني حمته منعة قومه حتى هابه أعداؤه فقالوا له : ( لولا رهطك لرجمناك ) وقد اعتنى العرب قبل الإسلام وبعده في ضبط أنسابهم إلى أن اختلط العرب بالأعاجم فتعذر ضبط النسب بالآباء لدى الكثيرين فانتسبو ا إلى بلدانهم أو حرفهم أو نحو ذلك, حتى غلب هذا النوع من النسب في بعض البلدان على نسب الأصول والمعرفة بعلم الأنساب من الأمور المطلوبة والمعارف المندوبة لما يترتب عليها من الأحكام الشرعية والمعالم الدينية فقد وردت الشريعة المطهرة باعتبارها في مواضيع منها العلم بنسب النبي صلى الله عليه وسلم أنه النبي القرشي الهاشمي الذي كان بمكة وهاجر منها إلى المدينة المنورة ولا بد من معرفة ذلك ولا يعذر مسلم في الجهل به ومهنا التعارف بين الناس حتى لا يعتزي أحد إلى غير اّبائه ولا ينتسب إلى سوى أجداده وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى : ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) وعلى هذا يترتب أحكام الورثة فيحجب بعضهم بعضا وأحكام الأولياء في النكاح فيقدم بعضهم على بعض وأحكام الواقف إذا خص الواقف بعض الأقارب أو بعض الطبقات دون بعض وأحكام العاقلة في الدية حتي يضرب الدية على بعض العصبات دون بعض وما يجري مجرى ذلك فلولا معرفة الأنساب لفات إدراك هذه الأمور وتعذر الوصول إليها ومنه اعتبار النسب في كفاة الزوج والزوجة في النكاح ففي مذهب الإمام الشافعي لا يكافي الهاشمية والمطلبية غيرهما من قريش ولا يكافي القرشية غيرهما من العرب ممن ليس بقرشي وفي الكنانية وجهان أصحهما أن لا يكافئها غيرها ممن ليس بكناني ولا قرشي وفي اعتبار النسب في العجم أيضا وجهان أصحهما الاعتبار وفي مذهب الإمام أبي حنيفة قريش بعضهم أكفاء بعض وبقية العرب بعضهم أكفاء بعض وقال صاحب الدر والحق الإطلاق أما في العجم فلا يعتبر النسب عندهم فإذا لم يعرف النسب تعذرت معرفة الأحكام ومنه مراعاة النسب الشريف في المراة المنكوحة فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تنكح المراة لأربع لدينها وحسبها ومالها وجمالها فراعى صلى الله عليه وسلم في المراة المنكوحة الحسب وهو الشرف في الاّباء والعرب كلها ترجع إلى أصلين عدنان وقحطان وكان الملك في الجاهلية لقحطان حتى نقله الإسلام إلى عدنان ولكل واحد منهم فروع وست طبقات : الطبقة الأولى : الشعب وهو النسب الأبعد والطبقة الثانية : وهي القبيلة والطبقة الثالثة : العمارة والطبقة الرابعة : البطون والطبقة الخامسة : الفخذ والطبقة السادسة : الفصيلة . وعلم النسب هو علم معرفة أصول الفرد وفروعه معرفة قد تضيق أحياناً لتقصر على ذكر أسماء الاّباء والأجداد والأبناء والأحفاد وقد تتسع أحياناً أخرى لتبلغ مبلغ الترجمة الوافية لحياتهم وهو من أوثق العلوم ارتباطاً بالعرب في الجاهلية فأمتازوا به على سـائر الأمم براعة في حفظه حتى أدرجوه في كثير من أشعارهم غير أن الغاية من تعلم الأنساب في الجاهلية انصرفت إلى التفاخر والتفاضل والعصبية والهجاء والترغيب في أخذ الثار فلما جاء الإسلام نبذ تلك الغايات وصرف علم النسب لغايات أخرى محمودة كقول النبي صلى الله عليه وسلم : " تعلموا أنسابكم لتصلوا أرحامكم" لذا وجب عدم الخلط بين غاية البشر من العلم وبين العلم في ذاته بل جاء الإسلام ليدعم علم النسب بمبادئه السامية فمنع أنواعا من الزواج كانت تبلغ مبلغ السفاح كزواج المقت وزواج الأخدان وزواج الإستبضاع كما حرم الزنا والتبني قال تعالى : " ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله " وحرم ادعاء الرجل لغير أبيه قال صلى الله عليه وسلم : " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام " متفق عليه ولعلم النسب أهمية بالغة في الفقه الإسلامي فعليه تترتب أحكام الوراثة فيحجب بعضهم بعضاً وأحكام الأولياء في النكاح فيقدم بعضهم على بعض وأحكام العاقلة في الدية حتى تضرب الدية على بعض العصبة دون بعض وممن برع في علم النسب من الصحابة رضوان الله عليهم : أبو بكر الصديق وأبو الجهم بن حذيفة وجبير بن مطعم وعقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم وأرضاهم وقد سار علم النسب عند العرب من الحفظ في الصدور إلى التدوين فآفة العلم النسيان وقيل : إن أول ما كان ذلك في زمن الخلافة العباسية فألفت العديد من الكتب في هذا المجال كنسب قريش لمصعب بن عبدالله الزبيري " 236 هـ " وأشارف عبدالقيس للمدائني " 225 هـ " وأنساب الأمم للبرقي " 274 هـ " وغيرها وقسمت كتب الأنساب إلى مبسوطات ومشجرات فالمبسوط هو تسطير النسب على السطور وفيه يبدأ بذكر الاّباء ثم الاأبناء ثم الاأحفاد وهكذا ويتمكن للنسابة في المبسوط من الإسهاب في ذكر أخبار الأسـر وتاريخها أما المشجر فهو ما أخذ هيئة الشجرة من تفرعات كالساق والأغصان والأوراق وقيل : أن أول من وضع التشجير الإمام الشافعي رحمه الله وكانت المشجرات في السابق تعتمد على رسم حرف النون أمام اسم الأب ثم تتصل بهذه النون باءات الأبناء فلو أن رجلاً لديه أبناء عديدون ذكر اسم كل منهم ثم لحق باسمه حرف الباء فقط وهذا الباء يمد حتى يصل النون الموجودة أمام اسم الأب مشكلة بذلك كلمة " بن " ثم يلحق باسم الولد الاّخر حرف الباء الذي يمد كذلك ليتصل بذات النون الموجودة أمام اسم الأب وهكذا بقية الأبناء لذا كان يفرق بين المشجر والمبسوط قديما بضرورة ذكر الأبناء أولا في المشجرات لإلحاق حرف الباء بهم ثم يذكر الاّباء ثم الأجداد أما في المبسوط فكما بينا آنفاً يأتي النسابة على ذكر الأب أولاً ثم الأبناء فالأحفاد وفي المشجر لا يسهب النسابة في الترجمة لكل فرد من أفراد أسرة مكتفياً أحياناً بالتاريخ ليوم الوفاة أو ذكر المهنة أو البلد التي يقيم فيها الفرد ثم أخذت كتب الأنساب المشجرة صوراً أخرى كرسم أوراق كأوراق الشجر وتدوين الأسماء بها أو رسم حلقات أو خطوط تصل بين الأبناء والاّباء مما لا يستلزم ذكر الأبناء الأولاد كما في المشجرات القديمة وفيما بعد ظهرت وثائق نسب تخص كل أسرة بذاتها فتقسم ذات الوثيقة إلى ديباجة يحمد الله فيها ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسرد النسب مبسوطاً ثم يلحق به المشجر وتزان الوثيقة بتواقيع وتصديقات النسابين والعلماء والأمراء والوجهاء . منقول بتصرف مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .
منقوول