توصل العلم إلى إيجاد حلٍّ تاريخي للشيخوخة الحتمية، عبر نقل دم شاب إلى جسم متقدم في العمر، يعطي الجسم المتلقي حياةً ثانية أكثر شباباً وحيوية. اكتشافٌ قد يعدّ الأعظم من نوعه في تاريخ البشرية، لكون كل إنسان يسعى بغريزته لأن يحيا أطول حياة ممكنة، ويحقق أكبر عدد من الإنجازات، بطموح فطري يعطيه معنىً لحياته المحدودة. هل تتخيلون بين أيّ أيادٍ سيقع ذلك الاكتشاف العجائبي، قبل أن يصل لشعوب أسفل الهرم؟

"علاج مصاصي الدماء"، كما يسمّيه الإعلام حالياً، هو اكتشاف العصر الذي قد يوقف مسار الشيخوخة. نقل دم شاب ببساطة بإمكانه الحد من عوامل الشيخوخة بل وحتى عكس مسارها، حسبما أوضحته دراستان علميتان مؤخراً، وهو بإمكانه أيضاً أن يشفي من مرض الزهايمر. أسطورة مصاصي الدماء منبثقة على ما يبدو من واقع كان يدركه الإنسان، والقصص التي تخللتها مذابح الأطفال بهدف الشعوذة واكتساب القوة المطلقة، ربما أصبح لها مبرّر معقول.

الجديد اليوم هو أن العلم قرّر أن يوضح حقائق الأساطير، والإعلام قرّر نبش بعض منها، مثل قصة ديكتاتور كوريا الشمالية كيم جونغ- إيل الذي كان يحقن نفسه بدماء فتيات عذروات شابات لتأخير حلول الشيخوخة. الخيال أصبح واقعاً، فالدماء الشابة تعيد شحن الدماغ وتصلح القلب وتنتج أوعية دموية جديدة وتحسن الذاكرة والقدرة على التعلم. اكتشافٌ قد يغير مسار اللعبة بأكملها، كما يصفه بروفيسور علم الأعصاب من كلية الطب بجامعة هارفرد Rudolph Tanzi، الذي أبدى حماسه الكبير لحظة تفحّص الدراستين اللتين تخلّفان تجارب علمية تعود لأوائل الخمسينات، قام بها الدكتور Clive M. McCay، عبر ربط الأوعية الدموية لفأرين، فتجدد شباب الفأر الأكبر من بلازما الفأر الأصغر سناً، دون أن يتمكن من شرح ما الذي حصل بالفعل.

تمكنت الدراستان الأخيرتان من إيجاد شرح علمي لتجربة "الشباب الأزلي"، حيث المفتاح هو في مستويات بعض البروتينات التي هي أكثر وفرة في الدماء الشابة، وبإمكانها أن توقظ الخلايا الجذعية، ما يعيد خلق أنسجة جديدة وشابة.

تقول الدراسة الأولى التي أقيمت في جامعة Saul Villeda بكاليفورنيا، أن استخراج البلازما من الفأر الأصغر سناً وحقنه في دماغ الكائن الأكبر سناً يعطي نتيجة فعالة، إذ ينتج عن تلك العملية خلايا عصبية جديدة تؤخر آثار الشيخوخة وتحسن وظائف الفأر، منها الذاكرة المكانية والقدرة المعرفية، ما قد يشكل حلاً لداء الزهايمر والحالات الدماغية التنكسية الأخرى التي تسببها الشيخوخة. أما الدراسة الثانية، الصادرة عن جامعة هارفرد والمتعلقة بالقلب، فتبيّن أن المستويات العالية من بروتيين GDF11 الموجودة في الدماء الشابة ترجع عقارب الساعة فيما يتعلق بقلوب الفئران المتقدمة في العمر. بلغةٍ أوضح دوائياً، توضح الدراستان أنه بدل أن يتم أخذ أدوية مختلفة للقلب وأخرى للعضلات، ربما دواءٌ واحد بإمكانه التأثير على كافة أعضاء الجسم.

يوجد عاقئان أمام ذلك الاكتشاف، أولهما أن تلك التجربة نجحت مع الفئران ولم تعرف بعد نتائجها الأكيدة مع البشر، حتى ولو من المرجّح أن تتلقى النجاح نفسه، والثانية هي احتمال تشكل خلايا سرطانية، فلحظة يتم توعية الخلايا الجذعية لإنشاء خلايا جديدة، قد يزداد احتمال تشكل السرطان. يفضل العلماء اختيار طريق محتمل، يتضمن الإصابة بالسرطان، على الموت المبكر جراء أمراض القلب، ويخططون لمباشرة التجارب وإنجاحها على الكائنات البشرية.

العائق الآخر والأهم الذي قد يقف في وجه الحلم بشباب دائم، هي اللوبيات الصيدلانية التي تسجّل تاريخاً حافلاً بالخروقات الطبية، والتي قد تستفيد من نزعة الحياة تلك. العديد من التقارير تنشر حول اللوبيات التي تخدع الكائنات المريضة وتبني لها حلماً زائفاً لتحقق أهدافها، حتى لو تطلب ذلك اختلاق فيروسات، إخفاء وجود لقاحات معينة، الترويج لأدوية مسيئة للصحة، وغيرها الكثير من الحيل. من البديهي أن يلفت اكتشاف العصر هذا انتباه اللوبيات الصيدلانية حول العالم، لتحوّله إلى جرعات غير صحية تحت عنوان "الشباب الأزلي"، توجهها لكائنات مهووسة بذلك الشباب الأزلي، ومستعدة بالتأكيد، بعد العشرات من عمليات التجميل، لصرف الثروات حتى ولو لشراء حلم لا يزال بعيد المنال.