ذكر قريش وما خصها الله به من الفضلوالمنة
أخبرنا أبو الحسن محمد بن العباس الحنبلي قال‏:‏ أخبرنا محمد بنحبيب قال‏:‏ أول ما ذكر من أحاديث قريش ما خصها الله به من الفضل والمن به على سائرالخلق وأنه بعث منها نبي الرحمة وأنزل عليه القرآن بلسانها قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏وما أرسلنا من رسولإلا بلسان قومه‏"‏ فلغة قريش أفصح اللغات ونسبها أصح الأنساب ومن ذلكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ ما افترقت فرقتان إلا كنت في خيرهما‏"‏ وقوله الحق وذلك أن الناس من لدن آدم إلى نوح عليهما السلام انقرضوا فكان النسلبعد لنوح وافترقت بنو نوح فرقاً شتى وفضل الله سام بن نوح على إخوته وجعل العرب منولده والأنبياء اجمعين إلا إدريس ثم افترقت بنو سام فرقاً ففضل الله أرفخشذ بن سامعلى إخوته لما جعل في نسله من الأنبياء فمنهم خليل الله والذبيح ونجي الله وروحالله وكلمته وحبيب الله صلى الله عليهم أجمعين ثم افترق ولد أرفخشذ فرقا فمنهمقحطان وجرهم وحضرموت ولسلف والموذ وعدنان ففضل الله عدنان على قحطان وإخوته ثمافترق بنو عدنان فرقا ففضل الله نزار بن معد بن عدنان عليهم ثم افترق بنو نزارفرقاً ففضل الله مضر على سائرهم ثم افترق بنو مضر فرقتين‏:‏ إلياس والناس وهو عيلانففضل الله إلياس على الناس ثم افترق بنو إلياس فرقتين‏:‏ مدركة وطابخة ففضل اللهمدركة على طابخة ثم افترق بنو مدركة فرقتين‏:‏ حزيمة وهذيلاً ففضل الله خزيمة علىهذيل ثم افترق بنو خزيمة فرقاً أسداً وكنانة والهون ففضل الله كنانة على أخوته ثمافترق بنو كنانة مزقاً ففضل الله النضر على سائرهم ثم افترق بنو النضر فرقتين‏:‏مالكاً ويخلد ففضل الله مالكاً على يخلد ثم افترق بنو مالك فرقتين‏:‏ فهراً والحربففضل الله فهراً على الحرب ثم افترق بنو فهر فرقاً ففضل الله غالباً على سائرهم ثمافترق ولد غالب فرقاً ثلاثاً ففضل الله لؤياً على سائرهم ثم افترق بنو لؤي فرقاًففضل الله كعباً على إخوتهم ثم افترق بنو كعب ثلاث فرق‏:‏ عدي وهصيص ومرة ففضل اللهمرة على أخويه ثم افترق بنو مرو ثلاث فرق‏:‏ كلاب وتميم ويقظة ففضل الله كلاباً علىأخويه ثم افترق بنو كلاب فرقتين‏:‏ قصياً وزهرة ففضل الله قصياً على زهرة ثم افترقبنو قصي أربع فرق‏.‏
عبد مناف وعبد الدار وعبد العزى وعبد بني قصي ففضل الله عبد منافعلى سائرهم ثم افترق بنو عبد مناف أربع فرق‏:‏ هاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل ففضلالله هاشماً على إخوته ثم افترق بنو هاشم فرقاً فدرجوا كلهم وانقرضوا والبقية منهملعبد المطلب بن هاشم فبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم وله أربعة أعمام‏:‏ حمزةوالعباس وأبو طالب وأبو لهب فاتبعه اثنان وخالفه اثنان ففضل الله فرقة - التي تبعتهعلى التي خالفته - وقال الكلبي في أسانيده‏:‏ فضل الله العرب على العجم لأنهم كانوالا ينكحون البنات ولا الأخوات وفضل الله مضر بن نزار على سائر العرب لأنهم كانواأعلمهم بسنة إبراهيم صلى الله عليه وعلى محمد وآله وألزمهم يغير بعضهم على بعض وفضلالله بني هاشم على قريش لأنهم كانوا أوصلهم للأرحام وأكفهم عن الآثام وفضل الله بنيعبد المطلب على سائر بني هاشم بولادة محمد صلى الله عليه وعلى آله وفضل الله محمداًصلى الله عليه على سائر بني عبد المطلب لأنه كان خيرهم وأبرهم وأصدقهم وأوصلهم صلىالله عليه وآله وسلم وقال محمد بن سلام الجمحي في أسانيده‏:‏ إن النبي صلى اللهعليه قال‏:‏ ‏"‏ إن الله عز وجل اختار من الناس العرب ثم اختار من العرب مضر ثماختار من مضر كنانة ثم اختار من كنانة قريشاً ثم اختار من قريش بني هاشم ثم اختارنيممن أنا منه ‏"‏‏.‏
وقال محمد بن سلام الجحمي في حديث آخر‏:‏ إن رسول الله صلى اللهعليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ اتاني جبريل عليه السلام فقال‏:‏ لقد بلغت الأرض شرقها وغربهاوشمالها ويمينها فما وجدت خيراً من قريش لا وجدت في قريش خيراً من هاشم ‏"‏‏.‏
وأخبرني هاشم بن محمد الكلبي قال‏:‏ حدثني أبو زفر الكلبي عن عمهعمارة بن جرير عن أثال بن حضرمي الأسدي قال‏:‏ سمعت أشياخنا يذكرون أن برة بنت مرلما أهديت إلى خزيمة بن مدركة رأت في المنام كأنها ولدت غلامين من خلاف بينهماسابياء قالت‏:‏ فينا أنا أنظر إليهما إذ أحدهما قمر يزهر والآخر أسد يزئر‏!‏ فأخبرتبذلك خزيمة فأتى كاهنة كانت بمكة يقال لها سرحة فقص عليها الرؤيا فقالت‏:‏ إن صدقترؤياها فتلدن منك غلاماً يكون منه قوم لهم أنفس باسلة وألسنة سائلة ثم تخلف عليهابعض ولدك فتلد منه غلاماً يكون لولده عدد وعدد وقروم مجد وعز إلى آخر الأبد فولدتله أسد بن خزيمة ثم خلف عليها كنانة فولدت له النضر‏.‏
قال‏:‏ وأتي كنانة وهو نائم في الحجر فقيل له‏:‏ اختر يا أبا النضربين الصهيل والهدر أو عمارة الجدر وعز الدهر‏!‏ فقال‏:‏ كلا يا رب‏!‏ فجعل الله ذلككله في قريش‏.‏
وروى جماعة من غير طريق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن الله اصطفى من العرب كنانة فكنانة عزة العرب ‏"‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏أريت جو بني كنانة فكنانة فيها سراج أعشاها فأولت أن قريشاً ذلك السراج ‏"‏ وأخبرنيهشام بن محمد عن عبد الحميد المجد بن عبس الأنصاري عن بعض قومه عن الشعبي قال قالرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أريت الجدود فرأيت جد قريش روضة خضراء منها الماءفأولت ذلك كثرة الأموال والتدفق بالنوال‏.‏
ولما قدم صعصة بن ناجية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافداًمسلماً سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن علمه بمضر فقال‏:‏ كنانة وجهها الذيفيه سمعها وبصرها وتميم كاهلها وقيس أظفارها‏.‏
قالوا‏:‏ وسأل معاوية بن أبي سفيان ليلى الأخيلية عن مضر فقالت‏:‏فاخر بكنانة وحارب بقيس وكاثر بتميم‏.‏
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏قريش ملح هذه الأمةكالملح في الطعام‏!‏ فهل يصلح الطعام إلا بالملح‏)‏‏.‏
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏(‏اللهم‏!‏ إنك جعلت هذاالإسلام الذي جئت به رحمة للعالمين وذكراً لقريش فتوكل لي بقريش‏)‏‏.‏
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ الناس تبع لقريش مؤمنهملمؤمنهم وفاجرهم لفاجرهم‏.‏
وروي عنه أيضاً أنه قال عليه السلام‏:‏ ‏"‏ قريش صلب الناس‏!‏ فلايبقى أحد بغير صلب ‏"‏‏.‏
وقال أيضاً‏:‏ ‏"‏ قريش أئمة العرب في الخير والشر إلى يوم القيامة‏"‏‏.‏
وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تقدموا قريشاً فتضلوا‏!‏ ولاتخلفوا هنها فتهلكوا‏!‏ ولا تعلموها فهي أعلم منكم ‏"‏‏.‏
وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ الست أولى بكم من أنفسكم قالوا‏:‏بلى بآبائنا أنت وأمهاتنا‏!‏ قال‏:‏ فإني كائن لكم يوم القيامة عل الحوض فرطاً وإنيسائلكم عن القرآن وعن قومي‏!‏ فلا تقدموا قريشاً فتضلوا‏!‏ ولا تخلفوا عنهافتهلكوا‏!‏ ولا تعلموا قريشاً فهم أعلم منكم‏.‏
ولولا أن تبطر قريش علمتها ما لها عند الله ‏"‏‏.‏
قال‏:‏ وقدمت أمامة بنت يزيد بن عمرو بن الصعق على معاوية فقاللها‏:‏ جبريني عن هذا الحي من مضر‏!‏ فقالت‏:‏ أما ناصية مضر فهذان الحيان من ابنخزيمة وأما أظفارها التي بها تحارش فهذا الحي من قيس فقال معاوية‏:‏ فأين بنو تميمقالت‏:‏ تلك الكاهل المحمول عليها والكرش المأكول فيها‏.‏
قال‏:‏ فحدثيني عن قيس مضر‏!‏ قالت‏:‏ أما جمجمة قيس فغطفان وأماأضراسها التي تأكل بها فبنو سليم وأما خيشومها الذي تنفس فيه فبنو عامر‏.‏
وقالت ليلى الأخيلية لمعاوية وسألها عن مضر فقالت‏:‏ قريش قادتهاوسادتها وتميم كاهلها وكرشها وقيس فرسانها وخطاطيفها‏.‏
وقال صعصة بن ناجية لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ يا رسولالله‏!‏ أنا أبصر الناس بمضر‏!‏ تميم هامتها وكاهلها الشديد الذي تنوء به وتحملعليه وكنانة وجهها الذي فيه سمعها وبصرها وقيس فرسانها ولجومها وأسد لسانها فقالالنبي فيكم كتاب الله وعترتي‏!‏ لن تضلوا ما تمسكتم بهما ‏"‏‏.‏
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ إن يغلب الله ليقريشاً أغلب سائر العرب ‏"‏‏.‏
قالوا‏:‏ ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزاة بدرمنصرفاً إلى المدينة تلقاه الأوس والخزرج يهنئونه بفتح الله عليه فقال سلمة بنسلامة بن وقش الأنصاري‏:‏ يماذا تهنئونا فوالله‏!‏ إن قتلنا إلا عجائز صلعاً كالإبلالمعلفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وسمعه أولئك الملأ من قريش‏:‏ أما‏!‏لو قد أسلموا ثم رأيتهم لهبتهم ولو أمروك لأطعتهم ثم لحقرت أفعالك مع فعالهم ‏"‏‏.‏
قال‏:‏ فلقد رأيتني في المدينة وإني لألقي الرجل منهم في الطريقفأتنحى عن طريقه هيبة له حتى يمر ثم أقول‏:‏ صدق الله ورسوله فبقريش فضل الله العربعلى سائر الأمم وخولهم إياهم وأورثهم ديارهم وأموالهم ومكن لهم في الأرض وقريش أوسطالعرب بيتاً وأطولها عماداً وأثبتها أوتاداً وأوشجها أصلاً وأنضرها عوداً وأبسقهافرعاً وكانوا في الجاهلية قبل أن يصل الله لهم ذلك بفضلية النبوة يسمون أهل اللهويسمون سكان الله وأهل الحرمة وقطان بيت الله وقد قال عبد المطلب لأبرهة الأشرمصاحب الفيل حين سأله أن يرد عليه إبله فقال له الأشرم‏:‏ هلا سألتني الإنصراف عنالذي قصدن له من هدم شرفك وهتك حرمتك فجرى بينهما خطاب قد أثبتناه في حديث الفيل فيآخر هذا الجزء وقال عبد المطلب‏:‏ الرمل نحن أهل الله في حرمته لم تزل فينا على عهدقدم إن للبيت لرباً مانعاً من يرده بأثام يخترم وقال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏أو لم نمكن لهم حرماً آمناًيجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا‏"‏‏.‏
فمن مكارمهم في الجاهلية أنهم كانوا على حالة شركهم يترافدون علىسقاية الحاج وإطعام أهل الموسم وحمل المنقطع به من الحاج ومعونته على بلاغ منزلهفكان القيم بذلك في زمانه هاشم بن عبد مناف فكانت قريش تجمع إليه الفضول من أموالهاأيام الحج ويقال‏:‏ إنه كان عليه الربع من ذلك في ماله لما ذكرنا وله يقول مطرود بنكعب الخزاعى‏:‏ الكامل عمرو العلى هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف يا أيهاالرجل المحول رحله هلا نزلت بآل عبد مناف هبلتك أمك لو نزلت عليهم ضمنوك من جوع ومنإقراف ثم قام به بعده ابنه عبد المطلب فزاد في سنة أبيه وأضعف في مكارم قريش فكانإذا كان أيام الحج أعد للحجاج الطعام ووضع الأعلاف للوحوش وكان يسمى مطعم الناس فيالسهل والوحوش والسباع في الجبل ‏"‏‏.‏

منقوول