شبكة عراق الخير
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: فضائل جزيرة العرب والعرب

Share/Bookmark

مشاهدة المواضيع

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1
    الصورة الرمزية العصيمي
    تاريخ التسجيل
    Jun 2010
    المشاركات
    301
    مقالات المدونة
    3
    معدل تقييم المستوى
    14

    افتراضي فضائل جزيرة العرب والعرب

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



    أولاً: الإرث الحضاري التاريخي لجزيرة العرب:
    إن لأهل الجزيرة العربية(1) ثروة تاريخية ثرة، وإرث حضاري يمتد عبر قرون بعيدة وأزمنة مديدة، يجب أن يستلهموا منه دروساً، وأن يأخذوا منه عبراً، للمضي بحضارتهم ورسالتهم قُدماً.
    فجزيرة العرب بها أم القرى، وبيت الله الحرام، ومدينة النبي، ومسجده عليه الصلاة والسلام، وما بين البيت إلى المنبر، روضة من رياض الجنة(2):
    بطيبة رسمٌ للرسول ومعهد منيرٌ
    و قد تعفو الرسوم وتهمد
    ولا تمحي الآيات من دار حرمة
    بها منبر الهادي الذي كان يصعد
    و واضح آيات و باقي معالم
    وربع له فيه مصلى ومسجد
    به حجرات كان ينزل وسطها
    من الله نور يستضاء و يوقد
    معارف لم تطمس على العهد آيها
    أتاها البلي فالآي منها تجدد
    وفيها كان الخلفاء الراشدون، والأنصار والمهاجرون، وبها عقدت رايات المسلمين، وقويت أمور الدين، وأيضاً فإن فيها المناسك والمشاعر، والمواقيت والمناحر:
    إذا هَزَّنا الشوقُ اضطربنا لهزه
    على شُعُبِ الرحل اضطراب الأراقم
    فمن صبواتٍ تستقيم بمائلٍ
    ومن أريحيات ٍ تهُبُ بنائمِ
    وأَسْتَشْرِفُ الأَعْلامَ حتى يدلني
    على طيبها مَرُّ الرياحِ النواسمِ
    وهل أنسم الأرواح إلاّ لأنها
    تَهبُ على تلك الربى و المعالمِ؟
    كما أنها جزيرة شِعرية، ذكرها الفحول في دواوينهم، فدرسها الشُرَّاح في مصنفاتهم، فإذا قرأتها وجدت زمزم و الحطيم، ودداً و أشداخ، ومدافع الريان، وشماريخ رضوى، وبرقة ثهمد، وحومانة الدراج ، وتقادمت فالجبس فالسوبان، وهجر وجواثا، وإضم والجواء، وتهامة والحجاز، والعروض واليمن، واليمامة والرميصاء بل أرض نجد كلها:
    وإني وإن فارقت نجداً وأهله
    لمحترق الأحشاء شوقاً إلى نجد
    ِولو استطردنا بذكر شيء مما ورد في أشعارهم لطال المقال(1)، فأي دار من ديارها ما وقفوا عليها؟ وأي أطلال دوارس ماهز بعضهم شوق إليها، وحسبك قول عنترة:
    هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم؟
    و فوق ذلك تجد في تلك المصنفات ذكر عشائر الجزيرة وقبائلها وخصائصهم، وأمور دقيقة متعلقة بهم
    وفضلاً عن ذلك فقد كان للحضارات القديمة فيها شأن عظيم بل إن أول الحضارات البشرية قامت بها وأَهَلتْها وذلك لمّا بنى آدم عليه السلام بيت الله الحرام(1) فكان أول بيت وضع للناس ببكة مباركاً، وقد ذكر العليم الحكيم في القرآن الكريم عن حضارات الجزيرة العربية ما لم يذكره عن غيرها من الأمم والحضارات التي قامت في شتى البلدان والأقاليم فسادت ثم بادت.
    ألا ترى أن جزيرة العرب، أرض معجزات نبوية، ومجال رسالات سماوية ، ففيها بلد سبأ، وسدُّ مأرب، وعرشٌ عظيم، وبئرٌ معطلة، وقصر مشيد، بل سائر بلاد عاد؛ إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالوادي، وأصحابُ الرس، وأصحاب الأيكة، وأصحاب الأخدود، وقبر هود، ودعوة إبراهيم، وحجر صالح، ومدين شعيب، ومرتع إسماعيل، وملجأ موسى، ومهد محمد -صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين- ومثواه:
    فبوركت يا قبر الرسول وبوركت ... بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد(1)
    ثم كانت أرض الجزيرة وطاءً لخير القرون وأديمها لحافاً لجُلِّهم بعد أن غيبوا تحت أطباق ثراها.
    وشتان شتان بين قبر لأبي بكر وعمر، وآخر لخوفو وخفرع! بون واسع وفرق شاسع بين روضة من رياض الجنة وحفرة من حفر النار:
    لئن تطاول بالأهرام منهزم ... ... فنحن أهرامنا سلمان أو عمر
    ومع هذا كله فأرض الجزيرة العربية تشتمل على حدود جليلة، وكُوَرٍ جسيمة، فهي من أمد الأقاليم مساحة، وأفسحها ساحة، وأعظمها حرمة، وأشرفها مدناً، (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ...)(2).
    لحكمة ٍ بالغة ٍ قضاها ... يستوجب الحمد على اقتضاها
    وقد فضل جزيرة العرب على ما سواها جمع ممن عنوا بالأقاليم والبلدان. قال الهمداني: "أفضل البلاد المعمورة من شق الأرض الشمالي إلى الجزيرة الكبرى ... وتسمى جزيرة العرب"(1)، وقال القلقشندي: ".. بجزيرة العرب الواقعة في أواسط المعمورة وأعدل أماكنه وأفضل بقاعه، حيث الكعبة الحرام .."(2)، قال المقدسي في أحسن التقاسيم: "وهي أمد الأقاليم مساحة، وأفسحها ساحة، وأفضلها تربة، وأعظمها حرمة، وأشرفها مدناً"(3).
    فجزيرة العرب من أفضل البلاد وأشرفها قال الشيخ بكر أبوزيد: "كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، ولهذه الجزيرة جملة أسماء؛ كلها مضافة إلى العرب لا غير"(4) وذكرها: [جزيرة العرب]، و[أرض العرب]، و [بلاد العرب]، و[وديار العرب]، و[الجزيرة العربية]، و[شبه جزيرة العرب]، [وشبه الجزيرة العربية].
    لقد قرر أهل العلم أن العرب هم "رأس الأمة وسابقوها إلى المكارم"(1) فهم "أفضل من العجم"(2) بل "أفضل من غيرهم"(3) بل "أفضل الأمم"(4) قاطبة،قال شيخ الإسلام: "ولهذا ذكر أبومحمد حرب بن إسماعيل بن خلف الكرماني صاحب الإمام أحمد في وصفه للسنة التي قال فيها: هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها: وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها، فهو مبتدع، خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم، فكان من قولهم أن الإيمان قول وعمل ونية، وساق كلاما طويلاً إلى أن قال: ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها ونحبهم، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حب العرب إيمان وبغضهم نفاق) ولا نقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي، الذين لا يحبون العرب، ولا يقرون بفضلهم، فإن قولهم بدعة وخلاف. ويروون هذا الكلام عن أحمد نفسه، في رسالة أحمد بن سعيد الأصطخري عنه إن صحت، وهو قوله وقول عامة أهل العلم"(5) وقال الكرماني أيضاً: "فالعرب أفضل الناس، وقريش أفضلهم، هذا مذهب الأئمة وأهل الأثر والسنة.."(6)
    قال شيخ الإسلام: "(إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة) الحديث، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح وهذا يقتضي أن إسماعيل وذريته صفوة ولد إبراهيم، فيقتضي أنهم أفضل من ولد إسحق، ومعلوم أن ولد إسحق الذين هم بنو إسرائيل أفضل العجم، لما فيهم من النبوة والكتاب، فمتى ثبت الفضل على هؤلاء فعلى غيرهم بطريق الأولى"(1) وقال قبلها: "فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة: اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم...وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم بمجرد كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم، وإن كان هذا من الفضل بل هم في أنفسهم أفضل، وبذلك ثبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا وإلا لزم الدور"(2)، وقد وضع المصنفون كُتباً وأجزاء في الدليل على فضل العرب وسر تفضيل العرب على من سواهم، هو ما تميزوا به من خصال حميدة، وأخلاق نبيلة ، كما قال الحكيم الترمذي: "فالعرب بالأخلاق شرفوا، وإلاّ فالشجرة واحدة وهو خليل الرحمن"(1) وقال الشيخ بكر: "فالعرب هم حملة شريعة الإسلام إلى سائر المخاطبين بها ... لأنهم يومئذ قد امتازوا من بين سائر الأمم باجتماع صفات أربع لم تجتمع في التاريخ لأمة من الأمم، وتلك هي: جودة الأذهان، وقوة الحوافظ، وبساطة الحضارة والتشريع، والبعد عن الاختلاط ببقية أمم العالم"(2)، كما أنهم "أطوع للخير، وأقرب للسخاء، والحلم، والشجاعة، والوفاء ... أصحاب إباء لا يعرفون التزلف والنفاق وتحمل الاستبداد.. ومما تميز به العرب الصدق، حتى الذين كانوا يحاربون الإسلام ظهر صدقهم في أمور"(3). فيا لله كيف انتكست بعد ذلك الفطر وتغيرت العقول ففتن بعضنا بحضارة غربية قاصرة على جوانب قاصرة فيها ما فيها، واسْتَبْدَل -يوم اسْتَبْدَل- شرها بمكارم حضارة عريقة.
    مولى المكارم يرعاها ويعمرها ... ... إن المكارم قد قلت مواليها

    ولا يخفى على القارئ الكريم أن هذا التفضيل ينبغي أن يراعى عند النظر إليه أمران:

    الأول: أن النظرة هنا إلى طبائع الشعوب والأجناس مجردة عما تأثرت به من أمور خارجة عنها، فمن استصلح بالشرع والدين يفضل من سواه ويعلوه بقدر ما قام فيه من دين. ومَن فضّلَ العرب إنما فضلهم لمكارم الأخلاق التي اتصفوا بها، وجاءت الشرائع بتميمها، فإذا التزم الناس بالشرائع فلا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى، والأصل أن الناس معادن(1).
    الثاني: أنه وصف عام وعند التفصيل ومقارنة الأفراد يشذ بعضهم، فقد تجد شخصاً من العجم يفضل بعض العرب في أخلاقه وصفاته، ولكن عند الإطلاق والتعميم فالعرب أفضل ممن سواهم.
    والشاهد من هذا التقرير هو أن البيئة التي يعيش فيها الإنسان، والأرض التي ينشأ عليها لها صلة وثيقة بأخلاقه وعاداته، وقد عرفت العرب هذه العلاقة منذ زمن بعيد، ولهذا كانوا يدفعون أولادهم إلى المراضع "لينشأ الطفل في الأعراب ، فيكون أفصح للسانه وأجلد لجسمه وأجدر أن لا يفارق الهيئة المعدية وقد قال - عليه السلام - لأبي بكر - رضي الله عنه - حين قال له: "ما رأيت أفصح منك يا رسول الله". فقال: (وما يمنعني ، وأنا من قريش ، وأرضعت في بني سعد ؟) فهذا ونحوه كان يحملهم على دفع الرضعاء إلى المراضع الأعرابيات . وقد ذُكِر أن عبد الملك بن مروان كان يقول أضر بنا حُب الوليد لأن الوليد كان لحّاناً، وكان سليمان فصيحاً; لأن الوليد أقام مع أمه، وسليمان وغيره من إخوته سكنوا البادية، فتعربوا، ثم أدبوا فتأدبوا"(1)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فرق بين من يتقلب في عيش لين الأعطاف رطب، وبين آخر تربى في بيئة شديدة وعرة، فذلل شظف العيش وركب صعبه، وقد قيل:
    إنما الإسلام في الصحرا امتهد ... ليجيء كل مسلم أسد
    فإذا شرف العرب لأخلاقهم وصفاتهم فالبيئة [الجزيرة العربية] هي التي ساعدت في صنع كثير من تلك الأخلاق والخصال التي تميز بها العرب(2)، ولهذا كانت الجزيرة العربية أفضل من غيرها.
    وإني وإن فارقت نجداً وأهله
    أروح على وجدٍ وأغدو على وجدٍ
    لمحترق الأحشاء شوقاً إلى نجدِ
    وأعشق أخلاقاً خلقن من المجدِ
    ولا يخفى على القارئ الكريم أن العرب الأصليين الذين تفرقوا في شتى الأمصار أصولهم من الجزيرة العربية وإن بَعُد العهد، وهذا ما قرره من عنوا بالتقاسيم والأقاليم، وغيرهم من المحققين، قال القلقشندي: "اعلم أن مساكن العرب في ابتداء الأمر، كانت بجزيرة العرب"(1)، وهو قول المعاصرين من الباحثين في هذا الحقل، قال المقريزي: "و لا خلاف بيننا في أن هذه القبائل العربية التي ملأت الأقطار العربية على اتساع رقعتها، قد انبعث كلها بطبيعة الحال من مهدها الأول وهو شبه الجزيرة العربية"(2)، وقال: "وليس من شك في أن المستودع الأول في شبه الجزيرة العربية الذي أمد شطري الوادي بالعناصر العربية منذ عصور الجاهلية، هو نفسه الذي أمد بلاد المغرب كلها في أفريقية، وبلاد الشام والعراق في آسيا.."(3).
    قال شيخ الإسلام :".. وفي هذه الأرض كانت العرب حين البعث وقبله فلما جاء الإسلام وفتحت الأمصار سكنوا سائر البلاد من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب وإلى سواحل الشام وأرمينية وهذه كانت مساكن فارس والروم والبربر وغيرهم ثم انقسمت هذه البلاد قسمين منها ما غلب على أهله لسان العرب حتى لا تعرف عامتهم غيره ... ومنها ما العجمة كثيرة فيهم أو غالبة عليهم .. فهذه البقاع انقسمت إلى ما هو عربي ابتداء وما هو عربي انتقالا وإلى ما هو عجمي وكذلك الأنساب ثلاثة أقسام قوم من نسل العرب وهم باقون على العربية لسانا ودارا أو لسانا لا دارا أو دارا لا لسانا وقوم من نسل العرب بل من نسل بني هاشم ثم صارت العربية لسانهم ودارهم أو أحدهما وقوم مجهولو الأصل لا يدرون أمن نسل العرب هم أو من نسل العجم وهم أكثر الناس اليوم والمقصود أن أصول العرب في مشارق الأرض ومغاربها ترجع إلى الجزيرة العربية في كثير من الأحيان، وهذا بدوره يجعل للجزيرة العربية في كثير من القلوب مكاناً وقد قيل:
    نَقّل فؤادك حيث شئت من الهوى
    كم منزل في الأرض يألفه الفتى
    ما الحب إلاّ للحبيب الأول
    وحنينه أبد اً لأول منزل

    وقبيح بنا وإن قدم العهد ... هوان الأباء و الأجداد

    جزيرة العرب مهوى أفئدة المسلمين:
    وعيرني الواشون أني أحبها ... وتلك شكاة زائل عنك عارها
    لمّا كانت الجزيرة مهبط الوحي وسابقة الأراضي للإسلام -فما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليه سائر الجزيرة العربية(1)لمّا كان الأمر كذلك عظمت مكانة الجزيرة في قلوب المسلمين جميعاً عرباً وعجماً، ولاغرابة فهي التي مدت البقاع والأصقاع بالإسلام، فلا عجب إذا قرأت في بعض التراجم، عن بعض أهل العلم من الأعاجم، أنه كان: "واسع الاطلاع بشئون العالم الإسلامي، شديد التعلق بجزيرة العرب والحجاز والحرمين الشريفين، عميق الحق، شديد التعظيم للنبي -صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وأهل بيته- شديد الحب للعرب، يسوؤه ويؤلمه ذمهم وانتقاص حقهم وفضلهم، خبيراً بجغرافية الجزيرة العربية، ألف كتاباً باللغة العربية في هذا الموضوع في شبابه"(2).
    وكيف لا يكون للمسلمين في المشارق والمغارب تعلق بها وهم يتوجهون تلقاءها في الخمسة الأوقات. وقد قال قائلهم إقبال:

    نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم ... والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا
    جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا ... بمسامع الروح الأمين فكبرا
    جزيرة العرب ودعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
    ومن مميزات جزيرة العرب التي جعلتها ذات حضارة رائدة متميزة، قيام دعوة إبراهيم عليه السلام بها:
    هي الحنيفية عين الله تكلؤها ... فكلما حاولوا تشويهها شاهوا
    والخلاصة أن دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بالإضافة إلى الجانب الروحي الذي عمرته بالعبادات التي شرعتها والشعائر والمناسك التي تركتها وبقيت آثارها إلى حين البعثة النبوية الشريفة، فقد أرست دعائم حضارة فذة، في مجالات الحياة كلها، وقد كان لها أثر كبير على العرب وما تميزوا به من كريم خصال وحسن أخلاق، فلئن كان في العرب صدق ووفاء فإن أباهم كان صادقاً، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً)(1)، ولئن كان في العرب صبر وجلد فإن أباهم قال عند الذبح (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)(2)، ولئن كانوا يجيدون القتال والرمي بالنبال فإن أباهم كان رامياً(3)، ولئن كانوا فرساناً فإن أباهم أول من ذللت له الخيل(4)، ولئن كان فيهم كرم فجدهم مالبث أن جاء بعجل حنيذ.
    ثم لمّا ضاعت هويتهم الحنيفية السمحة، ذهبت حضارتهم، وأمسوا في شر حال كل عام يرذلون، وبالمقابل فقد سطعت شمس القياصرة، وتأججت نار الأكاسرة.
    ومن رعاية الله لهذه الجزيرة وأهلها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى فتح الله عليه سائرها.
    ومن عناية النبي صلى الله عليه وسلم بها أنها كانت وصيته قبل موته عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ".. وأوصى عند موته بثلاث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب .."(2)
    وفي صحيح مسلم عن عمر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً)(3). ومن ثمرة تلك الرعاية الإلهية والعناية النبوية ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: )إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم(4).
    ومن لطف الله بهذه الجزيرة وأهلها، أنه قصم فئاماً من الظالمين اعتدوا فيها، (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ)(1)، (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ)(2)
    الغدر أهلك عاداً في منازلها
    من حمير حين كان البغي مجهرة
    والبغي أفنى قروناً دارها الجُنْد
    منهم على حادث الأيام فانجردوا

    ...
    وهذه سنة الله الباقية..
    فمن موعود الله لنا ما ثبت في حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم) قالت: "قلت يا رسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم" قال: (يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم)
    وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون- ثم المراجع :
    إن هذا القرآن شرف للعرب إذ نزل بلغتهم (قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ...)(1) (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً...)(2) (وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً...)(3)، (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً...)
    وكيف لا يكون خطاب رب العالمين إلى كافة المكلفين عرباً وعجماً شرفاً للعرب، وقد جاء بلغتهم دون سواهم؟ (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ...)(1) قال القرطبي: "يعني القرآن شرف لك ولقومك من قريش إذ نزل بلغتهم وعلى رجل منهم نظيره: (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم) أي شرفكم فالقرآن نزل بلسان قريش وإياهم خاطب فاحتاج أهل اللغات كلها إلى لسانهم كل من آمن بذلك فصاروا عيالا عليهم لأن أهل كل لغة احتاجوا إلى أن يأخذوه من لغتهم حتى يقفوا على المعنى الذي عنى به من الأمر والنهي وجميع ما فيه من الأنباء فشرفوا بذلك على سائر أهل اللغات ولذلك سمي عربيا"(2)
    وعلى قدر التشريف يأتي التكليف، ولهذا قال بعدها (وَسَوْفَ تُسْأَلونَ)(3)، " أي عن هذا القرآن وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له"(4) فأفهم الناس له، ينبغي "أن يكونوا أقوم الناس به، وأعلمهم بمقتضاه وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخلص من المهاجرين السابقين الأولين ومن شابههم وتابعهم"(5).
    فمن قام بهذا التكليف استحق الذكر والتشريف، وبالمقابل من نبذ الرسالة وضيع الأمانة عاد عليه القعود عن التكليف بالتوبيخ والتعنيف، وكان معرضاً للوعيد والتهديد، ولعل من مناسبة قول الله عز وجل: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ) بعد قوله: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(6)، الإشارة إلى أن القعود عن القيام بالذكر ظلمٌ عاقبته وخيمة قصمت مدناً وقرى وحضارات أترفت فغدا أهلها حصيداً خامدين
    فواجب على أهل الجزيرة، منبع العرب، ومشرق الإسلام، أن ينهضوا بحضارتهم، وألا يغفلوا عن تبليغ رسالات ربهم، فقد آتاهم الله ما لم يؤت أحداً من العالمين، وفضلهم على كثير من المخلوقين، (أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ)(1)، (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ)(2)، ومن ينهض بالتكليف يناله حظه من التشريف، ولن ينسى التاريخ صلاح الدين، ومحمود بن سبكتكين.
    لاهم قد أصبحت أهواؤنا شيعاً
    راع يعيد إلى الإسلام سيرته
    فامنن علينا براع أنت ترضاه
    يرعى بنيه وعين الله ترعاه



    المصدر

    كتاب جزيرة العرب بين التشريف والتكليف
    للشيخ ناصر العمر
    الموسوعة الشاملة


    التعديل الأخير تم بواسطة ميس الريم ; 07-20-2019 الساعة 01:16 PM

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. حدود جزيرة العرب والعراق
    بواسطة كاظم المسعودي في المنتدى منتدى العشائر والقبائل العربية
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 09-25-2022, 06:13 PM
  2. المسيحية في جزيرة العرب قديما
    بواسطة علي الربيعي في المنتدى منتدى التاريخ العربي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-04-2022, 09:30 AM
  3. جزيرة العرب
    بواسطة لميس في المنتدى منتدى علوم القرأن والأحاديث النبوية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-02-2014, 12:16 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

جميع آلمشآركآت آلمكتوبه تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكل من الاشكال عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى