نسب بني ياس
وقبل ان نواصل الحديث نتوقف مع عام 1550 الميلادي لاستعراض بعض الإحداث التاريخية وما يدور حولها من تخمينات . ففي تصوري أن عام 1550 الميلادي وهو الذي يوافق العام 957 الهجري وما بعده لا بد وأن يكون قد شهد مولد قائدين مهمين في المنطقة .
الأول هو فلاح زعيم آل بوفلاح ووالد نهيان الجد الأكبر للأسرة النهيانية الحاكمة الآن في ابوظبي والإمارات العربية المتحدة وعلاقة هذا الزعيم ببني ياس .
والثاني هو كايد بن عدوان والمعروف في بعض الأقوال بكايد بن حمود أيضاً . وهو زعيم القواسم والجد الأكبر لحكام إمارتي رأس الخيمة والشارقة الآن . ولعله هو المؤسس للحلف القاسمي الشهير الذي حكم الإمارتين المذكورتين وضم إليه إمارة الفجيرة وساحل الشيملية وتحالف معه بني النعيم حكام إمارة عجمان ، وآل علي المعروفين بالمعلا وهم حكام إمارة أم القيوين وامتدت الدولة القاسمية لتشمل أجزاء كثيرة من الساحل الإيراني فكانت عاصمتهم هناك لنجة . وكايد بن عدوان هذا ورد في شجرة الأنساب باسم كايد وقد وضعوا فوقه اسم قاسم حيث ان واضعي شجرة انساب القواسم لم يحددوا العلاقة بين كايد وبين قاسم . كما أن بعض الأساطير المحلية تقول ان كايد لقب تلقب به أول زعيم للقواسم وكان رحمة بن مطر وان لقب كايد يعني الشديد والصلب .
ان نظرة إلى شجرة عائلة آل بوفلاح والى شجرة القواسم من كايد تثبت صحة تقديرنا في كون عام 1550 م ـ 957 هـ وما بعده هو الذي شهد إما مولد الزعيمين أو شهد أول نشاطهما السياسي وهما في ريعان الصبا .
فلنبدأ بقصة فلاح الذي هو شيخ آل بوفلاح والزعيم المؤسس لقبيلة بني ياس . ويجب ان نقر هنا بأننا لم نعثر خلال متابعتنا لموضوع فلاح وآل بوفلاح على أي مصدر يذكر اسم هذا الزعيم ويتحدث عن أيامه وعما إذا كان هو الذي جمع خمسة عشرة قبيلة ووحدها في حلف بني ياس ، أو كان هو زعيم الحلف المذكور . لكننا نعرف أن أولاد فلاح كانوا ستة وهم : نهيان واليه ينتسب حكام الإمارة الحالية وخالد وسلطان وسعدون وصقر ومحمد ، ومن محمد الأخير كان زايد وأولاده محمد وسيف وهزاع .
وعلى اختلاف أراء المؤرخين في ذكر الوقائع والأسماء والتواريخ فإننا سنوردها هنا واحدة بعد أخرى ثم نناقشها علنا نصل إلى نتيجة مفيدة .
ففي قصة أولاد فلاح تذكر مخطوطة كتبها عبدالله صالح المطوع ( الله يرحمه ) بعنوان ( الجواهر واللآلي في تاريخ عمان الشمالي ) في الجزء الأول في فصل قبيلة آل نهيان ما يلي :
آل نهيان على القول المشهور أنهم من بني هلال .. ولكن هناك من يقول أنهم من الدواسر ( منطقة تقع غربي نجد ) ، ويستدل أصحاب هذا الرأي بأن نخوة آل بوفلاح موافقة لنخوة الدواسر وقبائلهم هي آل نهيان وآل محمد وآل سلطان وآل سعدون وآل زايد . وانتقلوا إلى الظفرة من عمان واختاروها مقاما لسكناهم بين قبائل بني ياس العديدة وامتزجوا بهم وصاهروهم وتبعهم أناس من قومهم حتى صاروا قبيلة مستقلة وأهل باس ونجدة فكونوا إمارة صغيرة بين بني ياس فأحبوهم والتفوا حولهم . وكانت ابوظبي يقطنها حوالي 20 قبيلة يطلق عليهم بنو ياس . وكانت الحكومة على الجميع من السودان وقد لبثوا على ذلك ما شاء الله ، ثم قتل زعيم السودان ( محمد بن سالمين ) فتفرق السودان فقرر بني ياس إسناد الرئاسة إلى آل نهيان وكان أول حاكم منهم محمد بن زايد الذي قتل في ظروف غامضة ، وقد نزح أولاده إلى الشارقة حيث يوجد الآن بقايا نخل وبيت في حارة السودان يعرف ببيت محمد بن زايد . ثم خلفه أخوه سيف بن زايد ثم حكم بعده شخبوط بن ذياب بن عيسى بن نهيان بن فلاح . كان ذلك رأي المطوع وسنناقشه بعد ذكر الآراء الأخرى .
أما المصادر العمانية فقد أوردت اسمي زعيمين من زعماء آل بوفلاح وكانوا زعماء لبني ياس أيضاً ، هما الأخوان صقر ومحمد أولاد عيسى . ويغلب الظن إنهم قصدوا أولاد عيسى بن نهيان بن فلاح وقد ورد اسم صقر بأنه ( سقير ) عند ابن رزيق صاحب كتابي ( الشعاع الشائع باللمعان في ذكر أئمة عمان ) و ( الفتح المبين في تاريخ السادة آل بوسعيديين ) ، فقد ذكر مؤرخو عمان عن صقر بن عيسى بأنه رئيس بني ياس .. كما قالوا عنه بأنه مقدام بني ياس . وذكروا بان صقرا وأخاه محمدا أولاد عيسى قد قتلا في صدام مع الجيش العماني الذي أوفده إلى الظفرة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي مؤسس الدولة اليعربية في عمان لإلقاء القبض على الثائر المنشق قطن بن قطن الهلالي وكان ذلك ما بين عامي 1630م إلى 1640م .
لكننا سنفاجأ بالأسماء والتواريخ إذا ما أخذنا برواية الضابط الإنجليزي هينيل التي كتبها عام 1831 الميلادي ضمن تقرير سياسي إلى حكومة الهند عن أوضاع المنطقة ، أما بني ياس فقد أورد أخبارهم في عشر صفحات ، وهو يذكر اسم فلاح واسم أولاده بدون تاريخ ثم يذكر ان عيسى بن نهيان بن فلاح هو المؤسس والعاقد للحلف العشائري المسمى ( بني ياس ) ، ثم يذكر لنا أن عيسى كان له ولد واحد وهو ذياب ، وأن ذياب هذا اختلف مع ابن عم له يدعى هزاع بن زايد ، وأن هزاع قتل ذياب بسيفه في عام 1793 الميلادي .
فالاختلاف هنا جسيم بين رواية المطوع التي تذكر ان أول زعيم من آل بوفلاح لبني ياس هو محمد بن زايد وهو الذي يخيل إلينا أنه ظهر عام 1700 الميلادي ، وبين رواية مؤرخي عمان التي تذكر أن زعيم بني ياس كان صقر بن عيسى وانه قتل مع محمد عام 1630 الميلادي ، وبين رواية الضابط الإنجليزي هينيل الذي لا يقر بالأخوين صقر ومحمد بل بقول ان ذياب بن عيسى مات مقتولا عام 1793 الميلادي ، ولا يعقل أبداً أن يكون الفرق بين أعمار الأخوة أو بين تاريخ وفاتهم حوالي المئة والسبعين أو الستين عاماً .
لقد وجدنا بصيص من النور قد يكشف الغموض ويبين التسلسل التاريخي للأسماء في تلك الفترة فقد نشرت دائرة مركز الوثائق في دولة الإمارات العربية المتحدة شجرة عائلة ونسب آل نهيان الكرام حكام ابوظبي . وقد كتب ( رقم واحد ) قرب اسم عيسى بن نهيان مما يعني أنه أول زعيم في آل نهيان ونجد في هذه الشجرة كذلك أن عيسى كان له ولد واحد فقط هو ذياب ، وان ذياب قتل عام 1793 الميلادي وتولى ابنه شخبوط الحكم من بعده .
أذن أين صقر ومحمد اللذان ورد ذكرهما عند مؤرخي عمان بأنهما ولدا عيسى .. ؟ تشير نشرة مركز الوثائق بأن صقر ومحمد ليسا ولدي عيسى بل أنهما أعمامه فهم أخوة نهيان وأولاد الزعيم المؤسس فلاح .
فهل يا ترى أخطأ مؤرخو عمان وذكروا صقرا أو سقيرا وأخاه محمدا بأنهما ولدي عيسى .. وكان الأصح أن يقولوا أولاد فلاح .. ؟
أما بني ياس فهم مجموعة القبائل التالية : آل بوفلاح .. واليهم آلت الزعامة ـ آل بوفلاسة .. وهم حكام إمارة دبي الآن ـ السودان ـ الهوامل ـ آل بو محارب أو المحاربة ـ المزاريع ـ آل بومهير ـ الرميثات ـ القبيسات ـ المرر ـ آل بوحمير ـ القمزان ـ السبايس ـ الهواجر ( وهم ليسوا بني هاجر من أهل قطيف ) ، فهل ينتمي كل هؤلاء إلى نسب واحد بحيث يلقبون ( بالياسيين ) .. ؟
وهل بنو ياس قبيلة واحدة أم هم حلف عشائري اجتمعوا على نسب ( ياس ) أو ( إياس ) أو ( ألياس ) أو ( آياس ) حسب الروايات المختلفة .. ؟ فمن هو ياس هذا .. ؟ ومتى عقد الخلف .. ؟ ومن هو الزعيم المؤسس له .. ؟
ان المؤرخ العماني حميد بن محمد بن رزيق المتوفى عام 1274 الهجري الموافق للعام 1857 الميلادي وصاحب كتاب ( الشعاع الشائع باللمعان في ذكر أئمة عمان ) الذي حققه مؤخرا السيد عبدالمنعم عامر وطبعته ونشرته وزارة التراث القومي في سلطنة عمان ، أفرد حوالي مائة صفحة للحديث بإسهاب وتفصيل عن بني ياس . وذلك عندما تطرق إلى مقتل صقر أو سقير وأخيه محمد ، وبلغت به الإفاضة بالحديث إلى حد ابتعد فيه في أكثر من تسعين صفحة من المائة عن جوهر الموضوع وهو التسلسل في النسب لبني ياس .
ويفهم من رواية ابن رزيق أن بني ياس هم أحفاد ( ألياس بن مضر ) ثم عدد أجداد ألياس بن مضر فكانوا تسعة وعشرين . أما الجد الثلاثون فكان آدم عليه الصلاة والسلام . فهو عندما يصل إلى حفيد الياس بن مضر الثامن واسمه ( لؤي ) يذكر من أولاد لؤي أربعة وهم .. كعب ومنه يتسلسل النسب النبوي الشريف وأخوان آخران هما ( عامر وعوف ) و ( سامه ) الذي ارتحل إلى عمان ، ثم يروي قصة وصوله إلى هناك وكيف ان أفعى عضت ناقته من شفتيها وهى ترعى العشب . ثم ينقل ابن رزيق عن ابن هشام الكلبي أن بعض أولاده سامه ( المقصود أحفاده طبعا ) قابلوا الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وقالوا له بأنهم أنساب سامه بن لؤي . ويبدو أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كان يعرف سامه بن لؤي فقال لهم : أهو الشاعر .. ؟ فروى له أحد الأولاد بيت الشعر التالي :

رب كأس هرقت يابن لؤي ... حذر الموت لم تكن مهراقة
والى هنا يتوقف ابن رزيق توقفا تاما عن ذكر أي خبر أو نبأ عن سامه بن لؤي الذي سكن عمان ، وعلاقته بالعشائر المنتسبة إلى الحلف المذكور ، وبينما يخرج في مائة صفحة تقريباً عن الموضوع كلية ، ولكنه يستدرك ذلك في الصفحة 115 فيقول : " وأني وأن أطلت الكلام وخيل انه خرج عن المقصود ، فما خلا من فائدة نسبية شريفة عربية فان بني الياس تنسبهم العامة إلى هذه الغاية بني ياس . وتنسبهم إلى اليمن ، وهم بنو إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .. نزاريون لا يمنيون والأولى أن ينسب المرء إلى قومه وعشيرته وكفى بذلك قوله تعالى لخير خلقه ( صلى الله عليه وسلم ) ( ادعوهم لآبائهم ) . والى هنا يترك ابن رزيق قصة اياس بن مضر .
ومن المعروف ان الياس بن مضر نسب معروف وشريف بين العرب فهو الذي قال فيه سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) : " لا تسبوا إلياس فانه كان مؤمنا " .
ولكن .. هل يجوز ان يكون هذا التجمع العشائري جاء من ( سامه بن لؤي ) الذي يبدو انه ظهر أيام المسيح ( عليه السلام ) .. ؟ وهل استطاع سامه أن يحفظ اسم ( إلياس ) الذي يبدو أنه عاصر أيام النبي موسى ( عليه السلام ) .
ان كتب الأنساب العربية تقول : ان نسب المرر أو آل بومرة يعود إلى مر بن طابخة بن الياس بن مضر . أما المزاريع فهم من عمرو بن تميم بن مر بن أد بن الياس بن مضر ، والمرر والمزاريع هم في الحلف المذكور كما في النسب .. ولكن بقية العشائر لا تنتهي إلى الياس بن مضر فلماذا إذن هي في الحلف .. ؟
أما ( المناصير ) الذين ليسوا من حلف بني ياس على الرغم من أنهم من أشد المناصرين والمعاضدين لبني ياس عامة وآل بوفلاح خاصة ، والمناصير هم من منصور بن عكرمة بن خطفة بن قيس بن غيلان .. وغيلان أخو الياس ووالدهما مضر .. فلماذا لم ينسب المناصير إلى الحلف المذكور ..؟
إن للقاضي الفاضل الشيخ محمد بن الشيخ احمد بن الشيخ حسن الخزرجي رئيس لجنة التراث والتاريخ في الإمارات رأياً في نسب بني ياس إذ يقول : " لا تعدو قبيلة بني ياس أن تكون قبيلة واحدة تكونت من عشائر وهم : آل بوفلاح ـ آل بوفلاسا ـ آل بومهير ـ آل بوحمير ـ الرميثات ـ المرر ـ السودان ـ المزاريع ـ السبايس ـ الهوامل ـ القبيسات ـ القمزان . وهكذا يذكر اسلافهم ، وقد قال المغفور له بطي بن سهيل حاكم دبي بعد مكتوم بن حشر :
ما كان في عقلي ولا اقياس ... رايي ، ولكن شب عمرو عن الطوق
نحنـا عشايـر بـني ياس ... ما نرتيي ثيبـه مـن أولاد فـاروق
وقال عندما أراد زيارة ابوظبي :
تطروليه دار ونبغي نزورها ... يلي حصنها في مقاطع خورها
هلنا وعصبتنا دعايم سورها
وقد قال الشيخ زايد بن خليفة في بعض اختلاف في الرأي بينه وبين مكتوم بن حشر : " إني لا أدفع عشائر بني ياس للقتال فيما بينها " .

ثم ان القبائل في عمان بأسرها في الشمال والجنوب لا يعرفون اسم حلف بين هذه العشائر ، بل ولا يعرفون أسماءها ، سوى بعض قبائل الإمارات ، والمعروف اسم قبيلة بني ياس ، ولهذا يقول الشاعر والعلامة النسابه أبو مسلم الرواحي :

وما رجاء بني ياس على خطل ... فانما القوم أخوان وأعوان
في عشرة ابيات أو أكثر نوه فيها بهذه القبيلة في قصيدة مشهورة استعرض فيها أسماء القبائل ومطلعها :
تلك البوارق حاديهن مرنان ... فما لطرفك يا ذا الشجو وسنان

ولا عجب أن تكون أسماء هذه العشائر تشبه أسماء قبائل أخرى . فتشابه الأسماء موجود بين سائر القبائل وبين البطون والقبائل . فلا يعني ذلك أن هذه القبيلة تكونت من حلف بين القبائل ، وهذه الفكرة نبعت من أفكار المفكرين الأجانب فتلقفها الناس وطوروها وأخرجوها عن واقعها واخذوا من أسماء العشائر سُلماً يصلون منه إلى تحليل بعيد عن الواقع .

وبنو ياس قبيلة قديمة في عمان قدم وطنها واتخذت من ليوا والختم مقرا لها . وكثر الكلام حول آل بوفلاسا وآل بوفلاح لكون زعمائهم قادة برزوا في الميدان السياسي والصراع القبلي وقادوا بقية إخوانهم من عشائر بني ياس . والناس بين محب ومبغض فخاضوا فيما لا يعنيهم وابتكروا آراء واختيارات حسب إدراكهم وحبهم وبغضهم .

واسم فلاس علم على أب عشيرة آل بوفلاسا ، والحقوا آخرة الألف إما للوقف ، وإما تحريفا بحسب اللهجة المحلية ، وهو كغيره من العشائر ، كمهير أب آل بومهير ، وحمير أب آل بوحمير ، وقمزان أب القمزان ، وسويد أب السودان إلى غير ذلك .

والعرب لا سيما البادية لا يهتمون بأسماء أبنائهم ، فان فلاس جاء بأبناء أسمائهم قراد وقعود وصبيح وراشد ، فهل لهذه الأسماء من تفسير ؟

وقبيلة بني ياس ترجع إلى بني ياس بطن من حبشية من خزاعة من الأزد ، وإما من اياس بن قبيصة من بني هني من جذيمة من جرم من طئ . وإما من داسر من ذرية زايد من بني وداعة من الأزد . وعلى كل فأنهم من أحد قبائل كهلان ، وكونهم كما قدمت عشائر من قبيلة واحدة هو الصواب ، والقول الصحيح والمنقول عن السلف من آبائهم ، والنبي ( صلى الله عليه وسلم يقول ) : " الناس مصدقون في أنسابهم " .

وأأيد القول بأنهم من خزاعة كما قال ذلك صاحب كتاب ( المنتخب في ذكر قبائل العرب ) فان قيل : إذا عرفنا أنهم قبيلة واحدة وهي قبيلة بني ياس فمن أين جاءت العزوات وهي رمز على الأصل " صبيان أولاد زايد " ؟ فأقول إنها جاءت من تقارب نسب الدواسر وخزاعة ، فكلا القبيلتين من سلالة عمرو بن عامر ملك السد فلعلهم اجتمعوا في محل واحد في الزمان الماضي ، فكان شعارهم " صبيان أولاد زايد " وهو أحد فروع الدواسر الكثير الأفخاذ ، فلما انتقلوا إلى ارض الختم وليوا من عمان حملوه معهم لكونهم من أصل واحد يتصل بعمرو مزيقيا ين عامر ماء السماء عقاب الجز بن حارثة الغطريف بن أمرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد .

وإذا قبلنا بالقول الأخر أنها قبائل كونت حلفا بينها فإنما هذه القبائل ان جاز هذا التعبير ترجع إلى اصل واحد وهو كهلان ، ولكن القول الأول في رأيي وحسب الجذور العربية وفروعها وارتباطها بالأب الذي تفرعت منه عشائرها أنهم عشائر لقبيلة واحدة لا قبائل متحالفة والله أعلم " . كان هذا رأي الشيخ محمد بن الشيخ أحمد بن الشيخ حسن الخزرجي .

بقي أن نذكر رأيا أخيرا عن نسب بني ياس أورده صاحب ( إسعاف الأعيان بأنساب أهل عمان ) إذ قال أنهم من نسل : ياس بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان بن منصور . وفي رأينا أن هذا التسلسل في النسب ضعيف . ذلك ما ورد الينا عن بني ياس ، الاصل والتسمية .

فإذا أخذنا برأي عبدالله صالح المطوع فان الزعامة الأولى كانت بيد السودان وقد عرف آخر زعيم للسودان وللحلف المذكور وكان يدعى محمد بن سالمين ، فلما قتل محمد بن سالمين تشتت شمل السودان فقام أعضاء الحلف بانتخاب زعيم جديد ، وفي تصوري أن الزعيم هذا أما يكون فلاح أو ولده صقر .

مع ان عشائر بني ياس لا تعترف بهذه الرواية ، والمسموع عمن سبق من أهل الرأي منهم أن لكل عشيرة زعيماً يرجعون إليه ومعروفه أسماء زعماء كل عشيرة إلى يومنا هذا ، وإنما كان ( محمد بن سالمين ) اكبر القوم سنا ومحافظا على التوازن بين جميع البطون ويرجعون إليه إذا حزبهم أمر للمشورة والأخذ برأيه والزعامة المطلقة لآل بوفلاح .

إذن يكون فلاح نفسه هو الذي تزعم بني ياس ، وهذا ما يورده المؤرخ أبو بشير محمد السالمي صاحب كتاب ( نهضة الأعيان بحرية عمان ) إذ يقول : " وانتخب الشيخ فلاح جد العائلة الحاكمة في ابوظبي الآن أميرا على بني ياس لأنه من خيار الناس شجاعة وكرما وحزما ، فقطع دابر الشقاق وأحبه الجميع وصاروا له أطوع من بنانه وكان يسكن الظفرة .

إلا إنني أتصور أن الأقرب إلى المنطق أن يكون صقر بن فلاح هو الذي اخذ الزعامة والقيادة لبني ياس من السودان وهو الذي لقبه مؤرخو عمان بمقدام بني ياس . وأرى أن فلاح أو أبنه صقر هو الذي جعل من ( بني ياس ) قوة سياسية مؤثرة في المنطقة ، والذي أوصلني إلى هذا التفكير هو دراسة الظروف السياسية التي كانت سائدة في حوالي عام 1600 الميلادي ، إذ كانت على النحو التالي :
كان البرتغاليون قد أحكموا قبضتهم على عمان ومنطقة الإمارات وصعدوا إلى البحرين ووصلت مراكبهم إلى البصرة في العراق أيضاً . ولقد أسقط في يد عرب المنطقة بعد فشلهم في ثورة عام 1522 الميلادي لطرد البرتغاليين . ثم جاء الاعتماد على الأتراك ولكن تركيا فشلت في تحقيق نصر حازم ، مع أنهم أوفدوا ضباطا وأساطيل إلى المنطقة تمكنت من إحراز النصر على البرتغاليين والدخول إلى مسقط في حملتي بيري بيك وعلي شلبي ، ولكن الحملتين كان طابعهما السلب والنهب أكثر من تحقيق نصر استراتيجي في المنطقة ، علاوة على انسحابها الفوري بعد احتلال مسقط لأيام قليلة فقط . فالبرتغاليون استوطنوا في رأس الخليج كله تقريبا وفي مسقط ابتنوا قلعتين حصينتين هما ( كابيتان ) و ( سان جوا ) واسمهما الآن ( الميراني ) و ( الجلالي ) .

وفي إيران كان الشاة عباس ابن الشاة إسماعيل الصفوي قد دخل في علاقة تجارية مع بريطانيا وأخذ يساعد شركة الهند الشرقية التي وقعت الملكة اليزابيث قانون تأسيسها في 31/12/1600 ميلادي . وذلك لإيجاد حليف قوي له يساعده على طرد البرتغاليين من المنطقة ويساعده على مد نفوذه على الأجزاء التي خرج منها البرتغاليون في الساحل العربي من الخليج . وبالفعل فقد وقع ذلك في عام 1622 ميلادي حيث هاجم الشاة عباس البرتغاليين في جزيرة هرمز ودحرهم منها وبني ميناء بندر عباس في مدخل الخليج واحتل جزءا من مدينة جلفار رأس الخيمة ووضعها تحت أمرة القائد ( ناصر الدين العجمي ) ، كما احتل جزيرة البحرين أيضاً .

أما الموقف في داخل عمان فقد كان في غاية الضعف والارتباك ، فالبرتغاليون في مسقط وصحار وبعض المناطق الأخرى ، والفرس في جلفار يحاولون احتلال خورفكان ، وكان آخر ملوك عمان من بني نبهان مظفر بن سليمان ضائعا وسط ملوك وأمراء متعدين ، إذ أعلن كل حاكم مقاطعة استقلاله عن الحكومة المركزية ، فعمت الحروب الأهلية والفوضى البلاد التي انقسمت إلى ممالك وولايات على النحو التالي :
1. مسقط وصحار وقريات ومطرح بيد البرتغاليين بقيادة الضابط روي فيريرا دي اندرادا .
2. حكومة بهلا بيد سيف بن محمد الهنائي .
3. حكومة السمائل بيد مانع بن سنان العميري .
4. حكومة الرستاق بيد مالك بن أبي العرب اليعربي .
5. حكومة حصن مقنيات وبعض مناطق الظاهرة بيد بن جابر أو الجبور .
6. حكومة النخل بيد سلطان بن ابي العرب اليعربي .
7. حكومة سمد الشان بيد علي بن قطن الهلالي .
8. حكومة عبري وأبرا بيد محمد بن جفير بن جبر الجبري وقسم من بني هلال .
9. حكومة ضنك بيد قطن بن قطن الهلالي .
10. حكومة ينقل بيد ناصر بن قطن الهلالي .
11. جلفار موزعة بين الوات البرتغالية وبين القوات الفارسية .
12. حصون وقلاع متفرقة هنا وهناك بقيادات مختلفة .

تلك كانت صورة عمان الممزقة سياسيا وهي الدولة التي تشكل الحدود الجنوبية لإمارة بني ياس في أرض الظفرة وترتبط بها بروابط ووشائج تكاد تكون واحدة .

أما على حدود بني ياس الشمالية والشمالية الغربية حيث تقوم تخوم نجد وقطر والقبائل المرتحلة عبر المنطقة ، فقد كان الوضع أدهى وأمر إذ بعد أن أعدم البرتغاليون الزعيم مقرن بن جابر الجبري انقسمت نجد وما جاورها إلى الإمارات التالية :
1. إمارة آل معمر في العيينة .
2. إمارة آل سعود في الدرعية .
3. إمارة آل دواس في الرياض .
4. إمارة بني خالد في الإحساء والقطيف .
5. إمارة آل علي في حائل .
6. وغير ذلك من المشيخات المفككة هنا وهناك .

وفي تصوري ان الجو السياسي المحيط ببني ياس في هذا الوقت كان يحتم عليهم جمع شملهم بقيادة قوية جديدة نشطة فكان فلاح ، والأغلب عندي ان يكون أبنه المقدام صقر بن فلاح قد استلم القيادة وكان ذلك حوالي عام 1600 الميلادي . فلما قتل هو ومحمد عام 1630 الميلادي استلم بعده ابن أخيه زايد بن محمد وهناك فترة مجهولة بن زايد بن محمد وظهور عمه ذياب بن عيسى ثم آل الأمر إلى شخبوط بن ذياب وهو الذي حكم إلى عام 1816 م .

ولازال أحفاد فلاح ممثلين بآل نهيان الحكام ، وآل بوسلطان الموجودين بكثرة في دبي ، أما آل سعدون فلا زالوا في الجواء أو ( ليوا ) ، أما أحفاد خالد فسكن بعضهم في دبي ، وتوفى آخرهم ولم يعقب .
منقوول