بسم الله الرحمن الرحيم
{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ًذلك الفوز العظيم} صدق الله العظيم ( التوبة: آية 100)
*قال الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) :
( لو لا الهجرة لكنتُ من الأنصار، ولو سلكت الأنصار شعباً والناس شعباً لسلكت شعب الأنصار)
رواه مسلم والبخاري.

الأوس والخزرج.. في الجاهلية
بقلم أمير الأوس والخزرج في العراق جاسم محمد راضي الأنصاري


أعرق ملوك اليمن في الجاهلية والإسلام، ملوك حمير وملوك غسان، ولهذا يقال حمير أرباب العرب وغسان أرباب الملوك، وذلك لأن سبأ الأكبر لما حضرته الوفاة طلب ابنيه حمير وكهلان وكان حمير هو الأكبر فأقعده على يمينه وأقعد كهلان على شماله ، ثم طلب سائر بنيه وبني عمه ووجوه قومه وقال لهم: اعلموا أن ولديَ هذين، هذا عن يميني وأشار الى حمير، وهذا كهلان عن شمالي، فأعطوا حمير من ملكي ما يصلح لليمنيين، وأعطوا كهلان من ملكي ما يصلح للشمال، فقالوا : يصلح لليمين السيف والسوط والقلم، ويصلح للشمال العنان والترس والقوس، والتي لا تصلح إلا لحافظ الدولة القائم بحروبها وسد ثغورها، فتقلد حمير الملك فلم يزل في ولده وأحفاده، يلي ذلك منهم خالف من سالف، إلى أن قام الحارث الرائش وتقلد كهلان وولده حفظ الممالك والذود عنها وسد ثغورها الى أيام عامر بن حارثة الأزدي المسمى ماء السماء، وكان في عصر الحارث الرائش(جد الأوس والخزرج) قائماً بحفظ المملكة وسد ثغورها على سنين آبائه من كهلان، وكان الحارث الرائش محدثاً يتحدث عن مستقبلات الزمان ويخبر بما سيكون من الحوادث قبل وقوعها، فيأتي الأمير بتصديق ما يقوله.

ولما هلك عامر بن حارثة الأزدي (ماء السماء) ويسمى ماء السماء لجوده وكرمه، قام بالأمر بعده ولده عمر بن عامر، وتقلد ما كان يتقلد والده من القيام بحفظ المملكة وسد ثغورها، واستخرج الأتاوات من أربابها، وهو المسمى ميزيقياء، وفي ولده يقول بعض الأنصار:

أنا ابن ميزيقياء عمرو وجدي أبـــوه عامر مــــــاء السمـــــاءِ

وسمي ماء السماء لأنه مان قومه سنة وقد اختلفت السماء فأجدبت الأرض جدباً شديداً فلم يزل يمون قومه حتى مطروا وأخصبوا فسموه ماء السماء ، وذلك لكونه خلف ماء السماء ومانهم سنة كاملة..وسمي عمرو بن عامر (ميزيقياء) لأنه كان يلبس كل يوم حلّتين ثم يمزقهما آخر يومه ويأنف أن يعود فيهما ويكره أن يلبسهما غيره، وعمّر عمراً طويلاً حيث بلغ من العمر ثمانمائة عام والله أعلم، وفي أيامه كان خراب السد، وخرج عمرو بن عامر ميزيقياء في ولده وأحفاده وعدد من قبائل قومه من مأرب متوجهين الى بلاد عك وكان رئيس عك يومئذٍ شملقة بن الحباب فسألوهم أن يأذنوا لهم في المقام عندهم فأذن لهم، ولما مات عمرو بن عامر بأرض عك استخلفه ابنه ثعلبة العنقاء وهو جد الأوس والخزرج، ولكن بعد وفاة عمرو بن عامر وقع الوباء في قومه من بعده واشتد عليهم الامر، وبعدها ارتحلوا الى مكة، ولما مات ثعلبة العنقاء استخلف على قومه أخوه جفنة بن عمرو بن عامر، فتقلد جفنة ما كان يتقلد آبائه من حفظ المملكة والذود عنها ولم يزل في مكة مقيماً هو وقومه من الأزد حتى ضاقت عليهم مكة وأراد الشخوص عنها وكانت فيهم كاهنة وهي طريفة زوجة عمرو بن عامر ميزيقياء، فلما عزموا على الخروج من مكة قالت لهم كاهنتهم :
من كان ذا هم بعيد وحمل جليد وبأس شديد فليقصد عُمان المُشيد، فسار اليه بنو نصر من الأزد وهم اليوم أزد عُمان، فنزلوا عمان والبحرين فهي مساكنهم اليوم ، ثم قالت من كان منكم ذا جرأة وعزيمة وفتك وشهامة وصبر على أزمات الدهر فليقصد الوادي من مر ( وهو وادي قرب مكة المكرمة) فنزلت بها خزاعة على يومنا هذا، ثم قالت من كان يريد الراسخات في الوحل المطعمات في المحل فليقصد يثرب ذات النخل، فسار اليها حارثة بن ثعلبة العنقاء في ولده من الأوس والخزرج، فهي مساكنهم في الجاهلية والإسلام، فلما عزموا الى الخروج الى يثرب قالت لهم: (يا أهل الوجوه المضيئة والأنفس الأبية والمناقب السنية انزلوا يثرب القصية قبل نزول المنية وطول القصية لتعلموا بعد الجهلة وتبصروا صاحب الرسالة) ، ثم قالت( من كان يريد الثياب الرقاق والخيول العتاق والكنوز والأرزاق فليقصد مناهج العراق) فسار اليها مالك بن فهم الأزدي في قبائل من قومه فغلبوا عليها وصاروا فيها ملوكاً ، فهم ملوك الحيرة قبل ملوك لخم ، ثم قالت (من كان يريد الخمر والخمير والديباج والحرير والملك والمسامير فليلحق بلباب دمشق الشام ليملكها أعوام بعد أعوام ويريها فتوة الكرام) فسار اليها جفنة بن عمرو بن عامر في ولده وأحفاده وسار معه عدة قبائل من غسان..

نسب الأوس والخزرج


وهم الأنصار وهم من بلد كهلان بن سبأ، الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرؤ القيس بن ثعلبة بن مازن بن عبد الله بن الأزد بن غوث ابن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان، وأمهم قيلة ، فيقال للأنصار ابناء قيلة، فولد الخزرج بن حارثة خمسة نفر: جشم بن الخزرج وعوف بن الخزرج، وهما الخرطومان يقال: إن سرَّك العزُّ فحجيجٌ في جشم والحارث بن الخزرج وكعب بن الخزرج وعمرو بن الخزرج، وكان يقال لهم: القواقل ، وذلك أن الرجل كان اذا استجار بيثرب قيل له: قوقل حيث شئت فقد أمنت، ومن ولد عمرو بن الخزرج النجار، ويقال لهم بنو النجار واسمه تيم اللات ابن ثعلبة، ويقال سمي بذلك لأنه نجر وجه رجل بالقَدوم.

وولد أوس بن حارثة مالك بن أوس، فمن مالك تفرقت قبائل الأوس كلها وبطونها فمنها عمرو بن عوف أهل قبا، ومنهم جحجبى بن كلفة رهط أحيحة بن الجلاح زوج سلمى قبل هاشم بن عبد المطلب، ومنهم الجعادرة يقال لهم أوس الله، ومنهم اليستُ وجردس وبنو عبد الأشهل وبنو الحبلى رهط عبد الله بن أبي بن سلّول، ومنهم جفنة بن عمرو ، وآل القعقاع وآل محرق، وهم ملوك غسان بالشام ، وأسم محرق بالشام الحارث بن عمرو، وإنما سمي محرقاً لأنه كان يعاقب بالنار وفيهم يقول حسان:





أولاد جفنــة عنـــد قبر أبيهـــم
قبر ابن مارية الكريم المفضل
يسقون من ورد الرحيق عليهم
برداً يصفّق بالرحيق السَلســـل
يوتُون منهم ما تهزّ كـــــلابهم
لا يسألون عن السواد المقبـــل
بيض الوجوه كريمة أخلاقهـم
شُــمُّ الأنوف من الــطراز الأول
إن الــتي ناولتـــني فشربتُهــــا
قُتلت قُتلت فهاتِها لـم تُقتــــل

فالأوس والخزرج ملوك العرب في الجاهلية وهم ملوك اليمن المتمثلة بكهلان وملوك نجد ويثرب وملوك الشام (الغساسنة) وأمراء العراق في الجاهلية المتمثلة بإمارة الأوس والخزرج الذين ذكرهم العلامة ابن خلدون في كتابه تاريخ ابن خلدون ج6 ص15 أن بني كهلان لم يبق لهم أحياء فيما يُسمع ، وأمير الأوس والخزرج طاهر بن خضر...

وأشار ابن خلدون في تاريخه ج2 ص335 : أن ملك الحيرة عمرو من عشيرة طنبة احدى عشائر ساعدة الأوسية في عصر الجاهلية حيث ملكه النعمان بن المنذر الغساني على الحيرة وأصبحت الرئاسة للأوس والخزرج في مملكة الحيرة، في الوقت الذي كانت فيه الحرب قائمة بين الأوس والخزرج في يثرب...

وللأزد ملك بالشام من بني جفنة وملك يثرب في الأوس والخزرج وملك بالعراق في بني فهم، فكان أول ملوك الحيرة مالك بن فهم الأزدي بن غنم بن دوس الذي خرج من اليمن مع عمرو بن عامر ميزيقياء حين أحسّوا بسيل العرم ثم تولى النعمان بن المنذر الحكم سنة 520 وكان يعاصره كسرى أنو شروان ملك فارس وجستنبان امبراطور الروم، والحارث بن شمر الغساني عاهل الدولة الرومانية على بلاد الشام الذي اشتبك مع المنذر في نزاع على الأرض الواقعة جنوبي تدمر ( وزيد بن النعمان بن مالك بن قوقل واسمه غنم بن عوف بن الخزرج كان أحدهم النعمان بن الحارث بن أبي شمر الغساني وليس كما يدعي النسابون بأنه لخمي)..( تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي/ حسن ابراهيم حسن ج1 ص37)...

ونستنتج من هذا أن هناك إمارة هي إمارة العبيديين التي كان يقودها العبيدي (الضيزن) وبعد مقتله ومقتل ابنته انبثقت الإمارات الأربع وأغلب رجالها من إمارة العبيديين لأنهم من أصل الأزد، فتشكلت الإمارة الأولى إمارة الأوس والخزرج (كما يقول ابن خلدون) وتشكلت الإمارة الثانية ( النعمان بن المنذر اللخمي) وهذا غير صحيح لأن النعمان هو خزرجي حسب ما ورد في نسب معد واليمن الكبير ص407 ، وبعد سقوط إمارة المناذرة الخزرجية تولى الإمارة أبناء عمومته من الأوس والخزرج وهم الأطانبة وسميت إمارتهم بهذا الإسم نسبة الى أمهم ( الإطنابة) تلتها الإمارة الرابعة إمارة مالك بن فهم الأزدي، ومالك بن عثمان الأوسي بعد أن فرّقتهم الكاهنة وحكموا العراق في الجاهلية، وليس كما ذكر النسابون بأن هناك إمارات لزبيد وربيعة وطي كانت تحكم العراق قبل الإسلام..