هند بنت النعمان

إلى كل محبي الفصيح اخترت لكم موضوعا يأخذ
منه النثر القسط اﻷكبر من الشعر إﻻ أنه يستحق
القراءة و بعد :
إنّ أدبنا يزخر بقصص وروائع تناقلتها اﻷجيال و
رددتها في مواقف شبيهة،ومن بين تلك القصص
التي تُنبئُ عن أصالة العربي و قوة الشخصية و
الموقف ماحدث مع الحجاج و هند بنت النعمان بن
المنذرو إليكم القصة :
" يروى أن هند بنت النعمان بن المنذر كانت من
أجمل وأحسن نساء أهل زمانها فوُصفت للحجاج
فخطبها وبذل ماﻻ كثيرا وتزوج بها وكتب على
نفسه بعد الصداق مائتي ألف درهم فلمّا دخل بها
مكث معها مدة طويلة ثم دخل عليها في بعض
اﻷيام وهي تنظر ووجهها في المرآة وتقول :
وما هندٌ إﻻ مهرةٌ عربية ٌ ****
سليـلةُ أفراسٍ تحلّلـها بغـلُ
فإنْ ولدتْ فحﻼ ًفللَّهِ درُّها
**** وإن ولدتْ بغﻼ ًفجاء به
البغلُ
فلما سمِع الحجاج ذلك انصرف راجعا ولم يدخل
عليها ولم تكن قد علِمتْ به فأراد الحجاج طﻼقها
فبعث اليها عبدالله بن طاهر يطلقها فدخل عبدالله
بن طاهر عليها وقال لها ": يقول لك الحجاج أبو
محمد أن لك عليه باقي الصداق مائتي الف درهم
وهي هذه حضرتْ معي وقد وكّلني في الطﻼق " ،
فقالت ": اعْلَمْ ابن طاهر أنّنا كُنا معه والله ما
فرحت به يوما قط وإنْ تفرقنا والله ﻻ أندم عليه
أبدا وهذه المائتا ألف درهم لك هدية بشارة
بخﻼصي من كلب بني ثقيف " ثم بعد ذلك بلغ الملك
عبدالملك بن مروان خبرها ووصف له حسنها
وجمالها وقدها واعتدالها ...فارسل اليها يخطبها .
فأرسلت كتابا تقول فيه ": الثناء على الله والصﻼة
على نبيه محمد صلي الله علية وسلم أما بعد ,
فاعلم يا أمير المؤمنين أن الكلب ولغ في اﻻناء "
فلما قرء كتابها الملك عبد الملك بن مروان ضحك
من قولها وكتب إليها قوله صلى الله علية وسلم ":
إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا
إحداهن بالتراب " وقال ": اغسلي القذي عن محل
اﻻستعمال " ، فلما قرأت كتابه لم يمكنها المخالفه
وكتبت اليه تقول " : بعد الثناء على الله والصﻼة
على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إني ﻻ
أجري العقد إﻻ بشرط فإن قُلت ما الشرط ؟ أقول
أنْ يقود الحجاج محملي إلى بلدك التي أنت فيها
ويكون حافياً بملبوسه الذي هو ﻻبسه؟ " ، فلما قرأ
الملك عبد الملك بن مروان الرسالة وافق على ذلك
وأرسل إلى الحجاج يأمره بهذا فلم يستطع الحجاج
الرفض وذهب إلى بيت هند بنت النعمان وطلب منها
أن تتجهز ففعلت هذا فلما ركبت المحمل وركب
حولها جواريها وخدمها ترجَّل الحجاج وهو حافي
القدم وأخذ بزمام البعير يقوده وسار بها !!فصارت
تسخر منه وتضحك عليه مع جواريها
وخدمها ثم طلبت من أحدهم أن يكشِف ستارة
المحمل فكشفها حتى قابل وجهها وجهه فضحِكت
عليه فأنشد هذين البيتين :
فإن تضحكي مني فيا طول
ليلة **** تركتك فيها كالقباء
المفرج
و قيل أيضا أنه قال :
فإن تضحكي يا هند رب
ليلة ...تركتك فيها تسهرين
نواحا
فأجابته بقولها :
وما نُبالي إذا أرواحنا سلمتْ
**** بما فقدناه من مال ومن
نشـب
فالمال مكتسب والعز مرتجع
**** إذا النفوس وقاها الله
من عطب
ولم تزل تلعب وتضحك إلى أن دنت من بلد الخليفة
فرمَتْ ديناراً على اﻷرض وقالت : " يا جمّال "
قال ": نعم يا موﻻتي " قالت : "إنه قد سقط منا
درهم ، فادفعه إلينا " فنظر إلى اﻷرض ثم قال ":
إنه دينار ياموﻻتي " ، قالت : " قلت لك درهم " ،
قال ": بل دينار يا موﻻتي ، فقالت هاته الحمد لله
سقط منا درهم فعوضنا الله خيرا منه دينارا " ،
فخجل الحجاج وسكت ، ثم دخل بها على أمير
المؤمنين فتزوج بها ."
ويقال أن الحجاج من بعد هذة
الحادثة مرض مرضا عظيما
حتى قَضى عليه هذا المرض

منقوول