لطالما اتهم الاعلام العراقي بانه تابع او مسير من جهات سياسية لها اجندات قد تتناسب مع المعطيات الطائفية، التي تروج لها هذه الوسائل، الامر الذي لا يخلو من الصحة، لكن لم نسمع مسبقا، عن وسيلة اعلام اجنبية، لاسيما من أولئك صاحبات المواقع الرفيعة عالميا، يشار اليها بذات التهمة، حتى الان.
لم يكن من المتوقع ان تطال هذه التهم وسائل اعلام متفوقة مثل رويترز، التي امست اليوم محط شبهة من قبل المتابعين المطلعين بعد الدراسة التي قام بها مختصين على المضامين التي تناولت خلالها الاحداث في العراق خلال الفترة السابقة.
رويترز اتهمت بانها تتبع نمط، يحاول خلق صورة طائفية عن العراق، ويشمل الصراع الحالي ضد تنظيم داعش، بذلك السابق الذي حصل ابان الحرب الاهلية عام 2007 و2006، حيث لم يصدر هذا الاتهام من طرف محلي، لكون الاعلام المحلي ذاته لم يفكر للحظة ان تكون وكالة اعلام عالمية كرويترز، غير دقيقة في نشر اخبارها، الاتهام بكل حال، اتى عبر مختصين أجانب كما تناولت ذلك وسائل اعلام متعددة.
نيد باركر..
يشغل الإعلامي نيد باركر منصب مدير مكتب رويترز في العراق، ويعمل على ارسال الاخبار اليها بعد اعدادها عن الوضع العراقي، والتي يلاحظ عليها محاولة تصوير الوضع العراقي على انه حرب أهلية.
باركر تولى المنصب بعد خروجه من إدارة مكتب لوس انجلوس تايمز، ثم عمله كصحفي حر، حيث يتولى الان مهمة إدارة رويترز في العراق.
تعرضت رويترز الى الاحداث العراقية بشكل غير موفق خلال الفترة السابقة، يتم حصر بعض منها للمثال وليس التعميم، حيث لوحظ عدم سعيها الى تصحيح المعلومات التي تطلقها بعد ان تتباين الحقائق المتلاحقة، عن تلك المنشورة.
تقرير بريطاني.. كيف ساهمت "رويترز" بخلق الطائفية في العراق _197859_parker1.jpg
الكرمة..
أولى تلك الأخطاء، حصلت في قضاء الكرمة، حين تعرض قائد من فصائل الحشد الشعبي الى محاولة اغتيال قضى على أثرها، القضاء ذو الغالبية السنية، حيث توقع باركر وخلال تغطيته للأحداث، ان يكون الوضع القادم معارك بين متمردين سنة، وقوة امنية شيعية، تحاول الانتقام منهم على مقتل القائد المذكور.
باركر تناول الموضوع بشكل احادي الجانب، حيث اكد بان القوات الأمنية العراقي تترك الفصائل الشيعية المتطرفة تعيث فسادا في المناطق السنية، متغاضيا، عن البيان الذي صدر عن القائد الأمني المسؤول عن المنطقة، وهو اللواء "جمعة الجميلي"، الذي اكد البدا بحملة امنية لألقاء القبض على القتلة، ممن اغتالوا زميله القائد في الحشد الشعبي، والذي كان هو الاخر سنيا.
تقرير بريطاني.. كيف ساهمت "رويترز" بخلق الطائفية في العراق alalam_6359993716770
الحشد العشائري.. والمشاركة السنية
لا تكاد معركة حدثت في المناطق الغربية من العراق، الا وكان للحشد العشائري مشاركة وافية فيها، فهذه القوة التي تتآلف مما يزيد عن 20.000 مقاتل، تعمل بشكل مباشر ضمن صفوف الحشد الشعبي، المتالف من غالبية شيعية، الامر الذي ينفي احتمالية ان تكون هنالك حرب أهلية، او جرائم إبادة عرقية بين سنة وشيعة، كون الطرفين مشاركان في القتال على ذات الجبهة، الا بعض الحالات الفردية الاستثنائية.
المشاركة السنية لا تقتصر على الحشد العشائري فقط، فالحشد الشعبي ذاته، يتألف في جزء كبير من صفوفه ذات الفصائل الشيعية، من قيادات وافراد، بالإضافة الى عشرات الالاف من الضباط والجنود والقادة، المشاركين في العمليات العسكرية، ضمن قوات الجيش العراقي والأمنية المحلية، التي لا يمكن ان تمر نشرة اخبار عن معركة، دون ان تذكر أسماء لهم.


نهب المنازل وتدميرها في تكريت..
في عام 2015، اثار تقرير لرويترز ردود فعل واسعة متباينة، ولغط سياسي واجتماعي كبير، حين أوردت انباءا، تتحدث عن قيام بعض فصائل الحشد الشعبي الشيعية بالهجوم على المنازل في محافظة تكريت بعد تحريرها من داعش، وسرقة محتوياتها قبل تدميرها.
الاخبار تم نفيها بالكامل بعد ان زار المناطق ساسة سنة، وأكدوا بان الاخبار التي تم نقلها لم تكن دقيقة، فكلمة "بعض" التي اشارت الى الفصائل المشاركة، لم تدرك وجود ما يقارب 40 فصيل مسلح مشارك في عملية تكريت ضمن الحشد الشعبي، بنسبة كبيرة جدا تكاد تكون غالبة، من السنة، سواء كتشكيل او أعضاء ضمن الفصائل الشيعية، بسبب طبيعة المنطقة، وانضمام اهاليها الى الجهد الحربي لاستعادتها من تنظيم داعش.
المعارك في الحقيقة تقدمها عدد كبير جدا من السنة، وخصوصا من عشائر الجبور، كما اكد ذلك "عبد مطلك الجبوري"، والذي شدد على ان المعارك لم تخلوا ابدا من تواجد سني في كل قطاعاتها لاستعادة المدينة.
الحقائق التي تم الكشف عنها لاحقا، اكدت، بان الحالات التي حصل فيها تدمير ونهب للمنازل، كانت ضئيلة جدا، وبالرغم من انها وقعت فعلا، فان العديد من الحالات، لم يقم بها شيعة، بل ارتكبها سنة من أبناء عشائر الجبور وغيرها الكثير، في أفعال انتقامية من بعض العوائل التي شاركت داعش رؤيته وايدت سطوته.
لاحقا، اكد الامر اكثر، بإعلان الشيخ "عبد الحامد الجبوري" بشكل رسمي، منع عودة أي عائلة الى تكريت، ممن تعاونوا او ايدوا تواجد تنظيم داعش، خلال او قبل فترة القتال، مما جعل الامر اكثر وضوح.
تقرير بريطاني.. كيف ساهمت "رويترز" بخلق الطائفية في العراق 28112.jpg
انضموا الى القتال ضد داعش.. وليس معه
رويترز عكفت على الاستمرار في تغطية الاخبار، وكان الحرب الاهلية ما زالت مستمرة، والعراق ما زال يقاتل نفسه بين سنة وشيعة، رغم ان الاحتقان الطائفي موجود على الأرض فعلا، لكنه لا يرتقي ابدا الى النسبة التي تحاول رويترز اظهارها عليها.
الامر يمكن ان يقاس ببساطة جدا، فالسنة لو كانوا فعلا يتعرضون الى إبادة جماعية، لما انضموا الى القوات الأمنية العراقية وفصائل الحشد بهذه الاعداد الهائلة، ولآثروا الوقوف مع تنظيم داعش.
في النهاية، فان السنة يقاتلون الى جانب القوات الأمنية والحشد، بسبب ما فعله داعش بقراهم ومدنهم وتدميره لمحافظاتهم، فرويترز لم تعر أهمية، للتجمعات السنية التي حشدت استعدادا لقتال داعش حول مناطق الانبار الفلوجة، قبيل بدا المعارك، والتي بلغت ما يزيد عن 4000 مقاتل في بداية كل منها، وكما اكد ذلك المتحدث باسم الحكومة الامريكية "ستيف وارن" في وقت سابق.
مقبرة الصقلاوية الجماعية..
بكل حال، فان هنالك العديد من الخروقات الإنسانية التي تمت خلال هذه الحرب في العراق، ضد تنظيم داعش، ومن أطراف متعددة سنية كانت ام شيعية، وجهت في معظم الأحيان ضد افراد داعش، او متعاطفين معهم، وفي أحيان أخرى عديدة، ضد مدنيين عزل.
لكن هذا لا يصل باي شكل من الاشكال الى ما تحاول رويترز اظهاره كأمر نمطي في العراق، ربما كان اخر تلك الأخطاء، التقرير الذي نشرته حول المقبرة الجماعية التي تم اكتشافها في الصقلاوية قبل فترة، والتي ضمن رفات 400 فرد قضوا على يد تنظيم داعش ودفنوا فيها، لتنشر تقريرا عبر باركر، يتحدث عن قيام فصائل شيعية بإعدام عرقي ضد هؤلاء، قبل ان يتم تفنيد ذلك الخبر من قبل بقية وسائل الاعلام والمسؤولين.
التقرير الذي نشر، اعتمد على شهادة 20 فرد، قدموا أنفسهم على انهم ناجين من المجزرة، في الوقت الذي تم التغاضي فيه عن أصولية هذه الشهادات المقدمة، فالمقاربة التي اعتمدها باركر، لم توفق في ان تماشي معايير العلوم الاجتماعية، الممكن التحقق عبرها من صحة الشهادات، ثم اخذت الى خارج سياقها، لتتحول بذلك الى معلومات مقصودة الاتجاه.
لا يمكن التحقق من صحة تلك الشهادات عبر المنطق الذي تم فيه نشر التقرير، كون التمييز بين شخص يحاول ان يثير البلبلة بتصريحات غير واقعية، وبين شخص تعرض فعلا لخروقات إنسانية ومذهبية بحقه، صعب جدا في ظل السياق الذي تم تناول التقرير عبره.
تقرير بريطاني.. كيف ساهمت "رويترز" بخلق الطائفية في العراق 575457b7c3618818078b
دفن 300 سني احياء.. خبر كاذب
حالة أخرى تذكر، هي قيام احد الشيوخ الانباريين بأطلاق تصريح ادعى فيه، قيام قوات من الحشد الشعبي بدفن 300 سني من أهالي المحافظة احياء، رويترز نقلت الخبر على انه حقيقة دون البحث في اصوليته، لياتي بعدها محافظ الانبار "صهيب الراوي"، ويبدا تحقيقا في الحادثة، يثبت خلاله بان الادعاء كاذب، ولم يحصل أي امر من الذي ذكر، ورغم ذلك، لم تنفي الخبر الذي نقل رويترز باي طريقة.
الحقيقة، بان القصص التي نقلتها رويترز عن العراق، سواء كانت كاذبة ام مضخمة، فأنها تثير الاحتقان الطائفي في العراق بسبب الطبيعة التي تتناول خلالها الاحداث، وتقدمها من منظور واحد، الامر الذي يجب ان تتلقاه الحكومة العراقية بأقل مقدار من التهاون، وتوقف الامر عند حده، قبل ان يتحول العراق الى مجرد بلاد تعيش حربا أهلية أخرى بالنسبة للعالم.
ليس العراق فحسب.. انما اتهامات للولايات المتحدة
باركر ورويترز، لم يتوقفوا عن نشر تلك القصص التي تزيد الاحتقان بمنظور اما مزيف او اوحد، اخر تلك تناولها لتقرير تتحدث فيه عن التجاهل الشيعي لتعليمات المرجع الأعلى "السيستاني"، التي امرت الافراد بالالتزام بحقوق الانسان ومعاملة السنة باحترام وحفظ حياتهم واموالهم، بانها سقطت على اذان صماء، ولم تنفذ.
الامر الذي تنفيه حقيقة ان المرجع السيستاني، ذو سلطة مقدسة على الوسط الشيعي، ومطاع الامر في هذه الأمور، حتى وان كانت في غير رغبة العامة من اتباعه.
التوسع الأكبر اتى، حين اتهم باركر القوات الامريكية بانها تتواطأ او تتغاضى عن التصرفات التي تصدر عن الفصائل الشيعية، عادا إياها تاركة الأخيرة تعيث في الأرض كما تشاء، في الوقت الذي نسي فيه، ان المساعدات التي تصل الى المناطق السنية، تاتي عبر قنوات الحشد الشعبي، وقوات التحالف المقاد من قبل الولايات المتحدة.
باركر توسع اكثر، حين اعد الحرب الاهلية في العراق، المفترضة، قد تم اشعالها من قبل واشنطن بشكل عمد، بالرغم من ان كل ما يقدمه باركر يصب في تلك النتيجة، التي تستصغر للوهلة الأولى، ولكن لا يمكن ان يتم تجاهل نتائجها، التي تؤثر فعلا على الاحتقان الطائفي، وتخلقه حيث يختفي وتنميه حيث يكون بسيط.
في النهاية، فان الامر الأسوأ ربما الذي تم بين كل هذا، هو اعتبار اراء وتغطيات باركر، بيانات عن "محلل" مختص في الشأن العراقي، الذي يبدوا وانه يتناوله على بساطة لا توفيه حقه ابدا، وتحاول تشذيبه بما يناسب الأطر التي وضعها له باركر ورويترز.