"طاسة الخضة، العروسة المحروقة، بخور العكوسات والحسد"، ومفردات أخرى احتلت مساحة كبيرة من عقول أبناء الطبقات الشعبية اللذين توارثوا معتقدات اقتربت من حدود التقديس بالنسبة لأهالى مصر الشعبية، التى رفضت التخلى عن "الزار، وطاسة الخضة، والبخور والحجاب" وغيرها من تفاصيل عالم الخيال الذى مارسه الشعب المصرى بحرفة حتى صار من أبرز السمات التى تعبر عن معتقدات المصريين.

أم هناء "80 عاما" أشهر صانعى طاسة الخضة التى مازالت مطلباً شعبياً لا يمكن مقاومته، تحكى "أم هناء" قصتها لـ"اليوم السابع": "أنا من الإسماعيلية، وبقالى فى الموضوع ده أكتر من 60 سنة، لأنها علم كبير وبحره واسع، سواء كانت طاسة الخضة أو العروسة المحروقة أو كاسات الهوا وغيرها، دى علوم مش سهلة ومحتاجة قوة إيمان بالله، واعتقاد كامل بصحتها ومفعولها أكيد ونتائجها سريعة ومضمونة، لأنها تعتبر علاجا روحيا، وهو أفضل بكتير من علاج الأطباء".

علم كبير ستظل تحاول اختراق تفاصيله ما تبقى لها من عمر، هكذا تصف "أم هناء" عالم الروحانيات الذى تتجول فى تفاصيله طوال ما يزيد عن الستين عاماً احتلت خلالهما مكاناً هاماً بين الزوار وأصحاب الحاجات ممن يلجأون لها لتداويهم، وتصف "أم هناء" طاسة الخضة قائلة: طاسة الخضة هى طبق مصنوع من النحاس الخالص مكتوب بداخله آية الكرسى".

وعن طريقة استخدامها تقول "أم هناء" "بحط فى طاسة الخضة 7 بلحات ناشفين، ويتم تقطيعهم بعد غسلهم، وقليل من الماء، ويمكن أن نستبدل البلح ب 7 حبات من الزبيب أو سبع حبات فول، ويباتوا فى الطاسة فى الندى لمدة ثلاثة أيام، من بعد المغرب حتى الفجر، ونشيل الطاسة من البلكونة قبل ما تطلع الشمس عليها، ونكرر العملية وبعد ثلاثة أيام، يشرب منها الشخص المخضوض أو الذى يعانى من الأرق والتعب النفسى، ويأكل السبع بلحات، بعدها يشفى على الفور وينام فى هدوء".

طاسة الخضة أصبحت نادرة جدا تخلو منها المحلات والأسواق إلا العتيق منها ومن يعرف قيمتها ومن هذه المحلات محل "أحمد فاروق" للأنتيكات النحاسية بحارة اليهود، والذى تحدث عن "طاسة الخضة" التى لا يعرف شكلها أو عملها الكثير من الناس، ويقول: تتعدد أحجامها فطاسة الخضة الصغيرة يبلغ سعرها 90 جنيها، أما الحجم الكبير منها فسعره 150 جنيها، مابقتش موجودة تقريبا اختفت من الأسواق كلها، ومعنديش غير واحدة صغيرة، لأن الطلب عليها كبير جدا لكن المعروض منها يكاد يكون منعدم، مبقاش حد بيعرف يصنعها دلوقتى".

بالنسبة لعلماء الاجتماع وعلماء النفس تعتبر هذه الموروثات الثقافية مجرد خرافات أو عادات اكتسبها الشعب المصرى حتى تحولت لثوابت يصعب التخلص منها مع مرور الزمن، وهو ما توضحه "جهاد إبراهيم"، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، قائلة: هذه المعتقدات تمثل موروثا ثقافيا منذ عهد الفراعنة، ويعتبر الفقر والجهل سببا رئيسيا فى التمسك بهذه العادات، أما عن طبقة الأغنياء فيلجأ البعض منهم لها نتيجة اليأس من العلاج الطبى، ويجب التعامل بشكل علمى مع هذه المعتقدات ومعالجة المشاكل النفسية من خلال خطوات طبية مدروسة.


"طاسة الخضة" موروث ثقافى مازال يواجه الدراسات العلمية 1.jpg

"طاسة الخضة" موروث ثقافى مازال يواجه الدراسات العلمية 2.jpg

"طاسة الخضة" موروث ثقافى مازال يواجه الدراسات العلمية 3.jpg










أكثر...